للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قولُهُ: "ولو رمَى سَهْماً في خَلْوةٍ" ذِكْرُ الخلْوَةِ لا معنَى له في هذا الموضِع. إلاَ أنْ يُرِيدَ في مَوضِعٍ خَالٍ عن الصَّيْدِ.

وقولُهُ: "ولو ظَنَّهُ حَلْقَ آدَمِيٍّ فوجْهَانِ، ولو ظنَّهُ حلقَ خِنْزِيرٍ" تَصْوِيرٌ فيما إذَا قَطَعَ ما ظنَّه حلْقَ آدمي أو (١) حَلْقَ خِنْزِير، فَبَانَ أنه حلْقُ شاةٍ.

والإمامُ صَوَّرَ الصُّورَتَيْنِ فيما إذا رمَى إلى شَاخِصٍ ظنَّه آدَمِيًّا أو خِنزِيرًا، فكانَ صيْدًا كما أَوْرَدْنَاه، وكانَ صاحبُ الكتابِ رآهما مُتَساوِيَيْن فلم يُبَالِ بتغيِيرِ التصوِيرِ، وقد يُظَنُّ فرقٌ بين المقدُورِ عليه وغَيْرِه، ويُسْتَشْهَدُ له بتردُّدٍ إمامِ الحرمَين (٢) في فَرْعِ ذِكْرِهِ.

قَالَ: لَوْ رَمَى إلى شَاتِهِ الرَّبيطَةِ (٣) -آلةً جارِحَةً- فأصابَت الحلقومَ والمريءَ وِفَاقاً وقطعهما -ففي حِلِّ الشاةِ مع القُدْرَةِ على إمرارِ السِّكِّينِ نَظَرٌ، ويجوزُ أنْ نُفرِّق بين أن يقصدَ المَذْبَحَ بما يَرْمِيهِ وبَيْنَ أنْ يَقصِدَ الشاةَ فيصيبُ المذبحَ والاحتمالُ متطرِّقٌ إلى جَمِيعِ ذلك. هذا لفظُهُ.

قال الغَزَالِيُّ: (الثَّالِثَةُ: قَصْدُ عَيْنِ الْحيَوَانِ) فَلَوْ رَمَى بِاللَّيْلَ إِلَى حَيْثُ لاَ يَرَاهُ وَلَكِنْ قَالَ: رُبَّمَا أُصِيبُ صَيْدًا فأصَابَ فَفِيْهِ ثَلاَثةُ أَوْجُهٍ يِفَرَّقُ في الثَّالِث بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي مَظَنَّةِ التَّوَقُّعِ أَوْ لا يَكُونَ فَيُعَدَّ عَبَثًا* وَلَوْ قَصَدَ سِرْبَاً مِنَ الظِّبَاءِ فأصَابَ وَاحِداً حَلَّ* وَلَوْ قَصَدَ وَاحِداً مِنْهُ فَأصَابَ آخَرَ فَوَجْهَانِ* فَإِنْ كَانَ المُصَابُ مِنْ غَيْرِ السِّرْبِ فَوَجْهَانِ مُرَتَّبَانِ وَأَوْلَى بِالْمنْعِ* وَلَوْ قَصَدَ حَجَرًا فَأصَابَ ظَبيَةً فَوَجْهَانِ وَأَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ* وَلَوْ قَصَدَ خِنْزِيراً فَمَالَ إِلَى ظَبْية فَأوْلَى بِالتَّحْرِيْمِ.

قال الرَّافِعِيُّ: فيه مَسأَلَتان:

إِحْدَاهُمَا: الصيدُ المصابُ إنْ كانَ يراه الرَّامِي، وقصدَه فذاك، وفي معناه ما إذَا كان يحس به في ظُلْمةٍ، أو من وَرَاءِ حِجَابٍ كما لو كانَ بين اشْجارٍ مُلْتفَّةٍ، وقصدهُ وإنْ لم يَعْلَمْ به فإنْ رمَى وهو لا يَرْجُو صَيْدًا (٤) ولا يقصِدُه فأصابَ صَيْدًا ففيهِ الخلافُ المذكورُ في صدر (٥) الفَصْلِ السابق، وإنْ كانَ يَتَوقَّعُ صَيْدًا وبنَى الأمرَ عليه كما إذَا رمى في ظُلْمَةِ الليلِ. وقالَ: رُبَّما أصبتُ صَيْدًا فأصابه ففي حِلِّه ثلاثةُ أَوْجه حكاهَا الإِمامُ وصاحبُ الكتاب: أَوْفَقُها لظاهِرِ النص، ولما أَطلَقَه عامةُ الأصحاب: المنعُ؛ لأنَّه لم يَقصِدْ قصداً صحيحًا وقد يعد مثلُه عبثًا وسفَهاً.


(١) في ز: أم.
(٢) في أ: الإِمام.
(٣) في ز: الوسيطة.
(٤) في أ: شيئاً.
(٥) في ز: هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>