للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن كانَ الشَّاخِصُ صَيْدًا فهو أَوْلَى بالحلِ مما إذَا كانَ خِنْزِيرًا كما إذا اعتَقده، ومع هذَا الترْتِيب فالأَظْهَرُ التحريمُ كما في مَسْأَلةِ الحَجر، [وعند أَبِي حَنيفةَ: حل الصيد في مسألة الخِنْزير] (١) ولو رَمَى إلى شاخصٍ ظنَهُ صَيْدًا فَبَانَ حَجَرًا أو خِنْزيرًا، فأصابَ السهمُ صَيْدًا.

قال "صاحبُ التَّهْذِيب": إنْ اعتبَرنَا الظَّنَّ فيما إذَا رمي [إلى ما] (٢) يظنُّه حجراً وكان صيْدًا، فأصابَ السهْمُ صيدًا آخَرَ، وقُلْنَا: بالتحريمِ فهاهنا يحلُّ الصيدُ الذي أصَابَهُ، وإن اعتبرْنَا الحقِيقَةَ. وقُلْنَا: بالحِلَّ -هناك- فلا يَحِلُّ هاهنا هذا في رَمْيِ السَّهْمِ.

أمَّا إذا أرسل الكَلْبَ إلى صَيْدٍ فأخذ صَيْدًا آخَرَ، نُظِرَ، إنْ عدلَ عن الجِهَةِ التي أَرْسَلَهُ فيهَا إِلَى جِهَةٍ أُخْرَى ففي حِلِّ ما قتلَه وَجْهَانِ:

أَحَدُهما، وبهِ قال أَبُو إسْحَاقَ: لاَ يَحِلُّ؛ لأنَّهُ مَضَى في تِلْكَ الجِهَةِ باختِيارهِ، فهو كما لو [استرسل] (٣) بنفْسِه.

وأظهرهُمَا: الحِلُّ؛ لأنَّهُ أَرْسلَه على الصيدِ، وأَخْذُ الصَّيْدِ وتكليِفُه ألاَّ يَعدِلَ مِن جِهَةٍ إلى جهةٍ بَعِيدٌ .. ولذلك لو عدَل الصيدُ من تلك الجهةِ إلى غَيْرِها فتبعهُ الكلبُ لم يَضُرَّ، وقد يُوجَّه الوجْهَان بمثل مَا وجه (٤) الخلاف به فيما إِذَا رَمَى إلى صَيْدٍ -فأصابَ آخرَ فأثبتوا الوجْهَينِ هناك، ورتَّبُوا الخِلاَفَ على الخِلاَفِ، واختلفُوا في كَيْفِيَّةِ الترتيبِ.

فقال أكثرُهم: صورةُ الكَلْب أَوْلى بالتحريم، لأنَّهُ حيوانٌ مُخْتَارٌ فمخالفَتُه تشعر بأنَّه عدَلَ وقتلَ باختيارِه، وعكَس بعضُهُمْ وجعلَها أَوْلَى بالحلِّ؛ لأنَّ تَسْدِيدِ السهْم على ظَبْيةٍ من السِّرْبِ مُمْكنُ، وإغراءَ الكَلْبِ على ظَبْيةٍ منه غيرُ مُمْكِن، ولذلك لو انفلتَ السَّهْمُ، وقتلَ الطَّائِرُ بِعَرْضِهِ حُرِّمَ (٥)؛ لسُوءِ الرَّمْيِ، ولو قَتَلَ الكلبُ بالضغطة كانَ على قَوْلَيْنِ.

وقطَعَ الإمامُ بالتحرِيم إذا عدلَ إلى (٦) جِهَةٍ أُخْرَى وظهر مِنْ عُدوله (٧) واختيَارِه، بأنِ امتَدَّ في جِهَةِ الإرسالِ زمانًا ثم بانَ صيدٌ أخَرٌ فاستدْبَرَ الصَّيْدَ المرسَلَ إلَيْهِ وقَصدَ الآخرَ.

وقال "صَاحِبُ الحَاوِي": الصَّحِيحُ عندي أنْ يُقَالَ: إنْ خَرَجَ عادِلًا عن جِهَةِ إرسالِه حَرُمَ ما يقتُلُه، وإنْ خَرجَ إِلَيْها ففاته الصيدُ؛ فعدلَ إلى غيرِهَا واصْطَادَ حلَّ؛ لأنَّ ذلك يدلُّ على حِذُقِه حيثُ لم يرجِعْ خَائِبًا إلى صَاحِبه، فلا مُخالفة (٨) فِيه، وإنْ لمْ يعدِلْ عَنْ جِهة الإرْسالِ وكان فِيهَا صيودٌ، فَاصْطادَ غيرَ ما أغرَاهُ عليه -حَلَّ؛ كما في السهمِ.


(١) سقط في ز.
(٢) في ز: فيما.
(٣) في ز: أرسل.
(٤) في ز: وجهه.
(٥) في ز: يحرم.
(٦) في ز: عن.
(٧) في ز: وعدل من ظهور.
(٨) في ز: ولا مخالف.

<<  <  ج: ص:  >  >>