للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قصدَه بريقٍ لا يُعْتَادُ كبناءِ الدَّارِ للتَّعْشِيش، أو لمْ يقصِدْهُ وحصل بطريقٍ مَعْهُودٍ، فهُو موضِعُ الخلافِ، والله أعلم.

قال الغَزَالِيُّ: وَإِذَا مَلَكَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ بالإِفْلاتِ* وَهَلْ يَخْرُجُ بِالتَّحْرِيرِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ* وَلَوْ أَعْرَضَ عَنْ كِسْرَةِ خُبْزٍ فَهَلْ يَمْلِكُهُ مَنْ أَخَذَهُ؟ وَجْهَانِ مُرَتَّبَانِ وَأَوْلَى بِأنْ يَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ* وَلَوْ أَعْرَضَ عَنْ جِلْدِ مَيْتَةٍ فَدَبَغَهُ غَيْرُهُ فَوَجْهَانِ مُرَتَّبَانِ وَأَوْلَى بِأَنْ يَزُولَ مِلْكُهُ.

قال الرَّافِعِيُّ: لما تَكلَّمَ فيما يثبتُ به المِلْكُ في الصيْدِ، أرادَ أنْ يتكلَّمَ فيما يزولُ به المِلْكُ عنه، أمَّا مَا يشمل الصيْدَ وغيرَه كالبَيْعِ، والهِبَةِ، فلا يخْفَى. وأَمَّا ما يَخْتَصُّ بالصيدِ فلو أنَّه أَفْلَتَ مِنْ يَدِهِ، لم يزل مِلْكهُ عنه ولوَ أَخَذَهُ آخِذٌ فَعَلَيْهِ ردُّهُ إلى الأَوَّلِ، ولا فَرْقَ بين أن يلتحق بالوحُوشِ في الصَّحْرَاءِ أَوْ يبعد عن البُنْيَانِ، وبينَ أن يدور في البلدِ وحولِهِ.

قال مَالِكٌ: ما دامَ في البلدِ وحوله، يبقى مِلْكُ الصائِدِ فيه، فإذا بَعُدَ والتحقَ بالوحُوشِ زال مِلْكُه، ومَنْ أَخذه مَلَكَهُ. ويُرْوَى عَنْهُ: إنْ تباعَدَ العهدُ بهِ -زَالَ مِلْكُه عنه، وإن قَرُبَ الوقْتُ- لم يزلْ. ويُرْوَى عنه زوالُ المِلْكِ بِالإِفْلاتِ مُطْلقًا.

لنا القياسُ على ما سلمه، وعلى إباقِ العَبْدِ، وشِرَاء البهِيمةِ، ولو أنه أرْسَلَ الصيْدَ وخلاّه بنفسِهِ: فهل يزولُ مِلْكُهُ عنه؟ فيه وَجْهَانِ:

أَحدُهُما: ويُحْكَى عن ابنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: نَعَمْ؛ لأنَّه أزال مَلكه عنه باختيارهِ عن حَيَوانٍ [الأصل] (١) فيه الانفكاكُ عن المِلْكِ كما لَو أَعْتَقَ عَبْدَهُ.

وأظهرهُمَا: وبه قال أَبو إسحاقَ واختارَه القاضي أَبُو الطَّيِّب، والقَفَّالُ: لاَ، كما لو سَبَّبَ دابَّته، ولا يجوزُ أنْ يفعل ذلكَ؛ لأنه يشبه ما كان يَفعلُه أَهلُ الجاهلِيَّة من تسييب السَّوائِب، وعن القفَّالِ: أنَّ العوَامَّ قد يحتسبون به ويُسَمُّونه إعتاقًا ومِنْ حقّهِ أنْ يتحرز عنه؛ لأَنَّ الطائِرَ المُخَلَّى يختلِطَ بالطيورِ المُبَاحَةِ؛ فيأخذه الآخذُ ويظنُّ أنَّهُ قد مَلَكَه، وهو لا يملِكُه. وعن "صَاحِبِ الإِفْصَاحِ" وجهٌ ثالثٌ: وهو أنَّه إن قَصَدَ بتخلِيَتهِ التقرُّبِ إلى الله تعالَى -زالَ المِلْكُ عنه، وإلاَ فَلاَ، وإنْ قُلْنَا يزولُ مِلْكُهُ فيعودُ إلى ما كانَ من الإباحةِ، ولمن أرادَ أن يَصِيدَهُ أنْ (٢) يَصِيدَه.


(١) في ز: للآمال.
(٢) قال الزركشي: يستثنى من تحريم الإرسال صور:
أحدها: إذا كان الطير يعتاد العود فإنه يجوز إرساله كما ذكروه في المسابقة وغيرها والظاهر عدم استثناء هذه الصورة لأن المراد الأئمة بالإرسال إطلاقه مع الإعراض عن تملكه وليست هذه الصورة كذلك والله أعلم ثم قال الزركشي. =

<<  <  ج: ص:  >  >>