للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثَّانِي: لاَ؛ كما أَنَّ العَبْدَ إِذَا أُعْتِقَ لا يعودُ المِلْكُ فيه (١).

ولو ألقَى كِسْرَة خُبْزٍ مُعرِضًا عنها: فهل يملِكُهَا مَنْ أَخَذَها؟ فيه وجْهَان ذُكِرَ بالترتِيب على الخلافِ في إِرْسَالِ الصَّيْدِ، وهذه الصورةُ أَوْلى ألاَّ يملِكَها الآخِذُ وتبقَى على مِلْكِ المَالِكِ؛ لأنَّ سَبَبَ المِلْكِ في الصيد اليدُ وقد أزالَها قَصْدًا.

قال الإمامُ: وهذا الخِلاَفُ في زَوَالِ المِلْكِ وما فعلَه إباحةً للطاعِم (٢) في ظاهِرِ المذْهَب؛ لأنَّ القرائِنَ الظاهِرَة كافيةٌ في الإباحةِ هذا لفظه ويوضحُه ما يُؤْثَرُ عن الصالِحينَ من التقاطِ السَّنَابِلِ (٣).

ولو أَعْرض عن جِلْدِ مَيْتَةٍ فأخذه غيرُه ودَبَغَهُ، ففي حُصُولِ الملْكِ له وجهان: بالترتيبِ، وهذه أَوْلى بثبُوتِ الملْكِ للآخِذِ إنْ لمْ يكن مملوكاً للأوَّلِ، وإنَّما كانَ له نوعُ اختصاصٍ، والاختصَاصُ المجرّدُ يضعُفُ بالإعْراضِ، ولكَ أنْ تَزِيدَ فتقولَ: إن قُلْنَا إنَّ مَنْ غصب جِلْدَ مَيْتَةٍ ودبَغَه، يكونُ الجلْدُ للمغصُوبِ منْهُ فيجِيءُ هاهُنا هذا الخِلاَفُ، أمَّا إذَا قُلْنَا: إنَّهُ يكونُ للغاصب [فيكون هاهنا] (٤) للآخذِ بلا خِلاَفٍ.

قولُهُ في الكتابِ: "فهل يخرجُ بالتَحرِيرِ" كأنَّه أشارَ بهذِه اللَّفْظَةِ إلى ما ذُكِر في "الوَسِيطِ" أنَّه لا يخرجُ عَنْ مِلْكِه بإفلاتِه والخِلاَفُ فِيما إذا قصَدَ التحرِيرَ ويقرب منه ما ذَكرَه الإمَامُ: أنَّه لَوْ حَرَّرَهُ (٥) وحَاوَلَ به رفْعَ اختصَاصِه وردَّه إلى ما كانَ عليه من الإِباحَةِ ففيه الخِلاَفُ.

وقولُه: في مَسْأَلةِ الجِلْدِ "وأولى بأَنْ يَزُولَ مِلْكُهُ" الوجهُ حملُ المِلْكِ -هناهُنا- على الاِخْتِصاصِ الذي كان في الجِلْدِ ولو قَال وأَوْلَى بأنْ يَصِيرَ مِلْكُهُ كان أَوْلى.

[فرعٌ]: مَنِ اصْطَادَ صَيْدًا عليه أثرٌ ملك بأن كَانَ مَوْسُومًا أو مقرَّطًا، أو مخضُوبًا، أو مَقْصُوصَ الجناح لمْ يملكُهُ؛ لأنَّ هذه آثارٌ تدل (٦) على أنَّه كان مَمْلُوكًا، ورُبَّما أَفْلَتَ، ولا يُنْظَرُ إلى احْتِماَلِ أنَّه اصطادَه محرمٌ وفعلَ به ذلك ثم أرسلَه، فإنه تَقْرِيرٌ بَعِيدٌ.

ولو اصْطادَ سمكةً في بَطْنِها دُرَّةٌ مَثْقُوبَةٌ، فكذلكَ، ويكونُ المأْخُوذُ -والصورةُ هذِهِ- لُقَطَةً، وإن كانت غيرَ مَثْقُوبةٍ فهي له مع السَّمَكَةِ، ولو اشترَى سمكةً -فوجد في بَطْنِهَا


(١) قال النووى: الأصح: الحل، لئلا يصير في معنى سوائب الجاهلية.
(٢) في ز: للإطعام.
(٣) قال النووي: الأصح: أنه يملك الكسرة والسنابل ونحوها، ويصح تصرُّفه فيها بالبيع وغيره، وهذا ظاهر أحوال السلف، ولم يحك أنهم منعوا من أخذ شيئاً من ذلك، من التصرف.
(٤) سقط في ز.
(٥) في ز: أحرزه.
(٦) في ز: فيدل.

<<  <  ج: ص:  >  >>