تشهد في الرابعة فلا بد وأن يتشهد الآن، وإن كان قد تشهد فيها وهذه الحالة هي المذكورة في الكتاب، فهل يحتاج إلى إعادة التشهد؟ فيه وجهان:
أصحهما: وبه قال معظم الأصحاب: لا؛ لأنه أتى به في موضعه، فأشبه ما إذا قام إلى الخامسة من السجود ثم تذكر فإنه يقعد ويتشهد، ولا يحتاج إلى العود إلى السجود.
والثاني: وبه قال ابن سريجَ: أنه يجب إعادته، وينسب هذا إلى نَصِّ الشافعي -رضي الله عنه- لأنه قال في "المختصر": وإن ذكر أنه في الخامسة سجد، وإن لم يسجد قعد في الرابعة، أو لم يقعد فإنه يجلس للرابعة، ويتشهد، ويسجد للسهو، حكم بأنه يجلس ويتشهد سواء قعد في الرابعة، أو لم يقعد، وذكر ابْن سُرَيْجٍ لهذا الوجه الثاني معنيين:
أحدهما: رعاية الموالاة بين التشهد والسَّلام، فإن تشهده في الرابعة قد انقطع بالركعة الزائدة فلا بد من إعادته ليليه السَّلام.
والثاني: أنه لو لم يعد التشهد لبقي السلام فرداً غير متصل بركن قبله ولا بعده، والكتاب يشتمل على هذين المعنيين معاً، وفرع ابن سريج عليهما ما إذا ترك الركوع ثم تذكره في السجود [فإن](١) قلنا بالمعنى الأول، يجب أن يعود إلى القيام ويركع منه، وإن قلنا بالمعنى الثاني كفاه أن يقوم راكعاً، فإنه لا يبقى فرداً لاتصاله بالسجود وما بعده، والأول مثل ما حكيناه عن أبي إسحاق فيما إذا تذكر في قيام الثانية أنه ترك سجدة من الأولى، وكان قد جلس بعد السجدة المفعولة أنه يجلس ثم يسجد.
قال أصحاب الوجه الأول: أما لفظ الشافعي -رضي الله عنه- فإنما يتعرض للقعود، ولم يقل تشهد أو لم يتشهد، فالمراد ما إذا قعد ولم يتشهد.
أما المعنيان فضعيفان، أما الأول فلأن الفصل بالنسيان لا يقدح في الموالاة، لأنه إذا أعاد التشهد فإما أن يكون المعتد به تشهده الأول، أو يكون هو الثاني، فإن كان المعتد به الأول فلا معنى للأمر بالثاني، ثم المحذور هو انقطاع الموالاة بين التشهد والسلام يبقى بحالة، وإن كان المعتد به الثاني فلا موالاة بينه وبين ما قبله من الأركان، فلم يحتمل انقطاع الموالاة بين التشهد وما قبله، ولا يحتمل بين التشهد والسلام.
وأما المعنى الثاني فهو مفرع على انقطاع الموالاة، وإلا فالسلام ليس فرداً؛ بل هو متصل بما قبله.