للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يطعم منه العبيد وتعلف الدواب، وعن ابن خزيمة من أصحابنا، فيما حَكَى الموفَّق بن طاهر مثلُه.

لنا: "ما رُوِيَ أن أبا طيبة، حَجَم رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، وَأَمَرَ أَهْلُهُ أَنْ يُخَفِّفُوا خَرَاجَهُ" (١) ولو كان حراماً، لما أعطاه؛ فإن الحرام كما لا يجوز أخذه، لا يجوز إعطاؤه؛ كأجرة الزَّمَّار، والنائحة، ويخالف ما إذا دعت إليه ضرورة، كما إذا أعطى الشاعرَ شيئًا؛ لئلا يهجوه، أو الظالَم؛ لئلا يمنَعه حقه، أو لا يأخذ منه أكثر من الذي أعطاه، ففي مثل ذلك يأثم الأخذ دون المعطي، ولأنه لو امتنع الاكتساب بالحِجَامة، لجر ذلك ضرراً عظيمًا، ولاحتاج ذوو الأقدار إلى القيام بها، نعم، كسْب الحجام مكروهٌ، سواء اكتسبه الحر أو العبد، ولا يكره للعبد، سواءٌ اكتسبه الحر أو العبد؛ لما رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- "سُئِلَ عَنْ كَسْبِ الْحِجَّامِ، فَنَهَى عَنْهُ وَقَالَ: أَطْعِمْهِ رَقِيقَكَ أَعْلِفْهُ (٢) وَنَاضِحَكَ" وهذا أحد ما يحتج به للحِلِّ؛ لأنه لو كان حراماً، لما جاز له التصرُّف فيه بالإطعام، والعلف، والفرق بين الحر والعبد؛ أنه كسبٌ دنيء، والعبد دنيءْ، فصرف الدنيءْ إلى الدنيءْ، ولم يكره للحر ذكروا فيه معنيين، قال قائلون: المعنى فيه مخامرة النجاسات، وقال آخرون: ودناءة الحرفة؛ فعلى الثاني يُكْره كسب الحلاَّق والسَّمَّاك أيضاً؛ وعلى الأول يُكْرَه كسْبُ الكَنَّاس والزَّبَّال والدَّبَّاغ والقَصَّاب والخَاتِن، وهو الذي أطلقه عامة الأصحاب، وفي الحماميِّ والحائك وجهان، ويُمكن تخريجهما على المعنيين (٣)، وفي كسب الفصاد وجهان أيضاً، قال في "العدة": الأظهر أنَّه لا يُكره، وكره كارهون كسب الصاغة؛ لأنهم كثيراً ما يخلفون الوعْد، ويقعون في الربا؛ لبيعهم المصوغ بأكثر من وزنه، واعترض صاحبُ الكتاب في "الوسيط" على التعليل يكون الحرفة خسيسةً، وبمخامرة النجاسة؛ بأن قال: الَتعليل بذلك يوجب إلحاق أجرة الكَنَّاس والدَّبَّاغ به، ولم يذهب إليه أحد، هذا لفظه، وهو ممنوع بل جمهور الأصحاب ذاهبون إليه، وكتبُهم ناطقةٌ به، ثم لا يناسبُه قوله هاهنا: "ما اكتسب بمخامرة نَجَاسَةٍ؛ ككسب الحجَّام، فهو مكروه وقد ذكر مثله في صدر الكلام في "الوسيط"، ثم قال، ولعل السبَبَ فيه أن الحجامة والفصد جَرْحٌ مفسِد للبنية، وهو حرام


(١) متفق عليه البخاري [٢١٠٢ - ٢٢١٠ - ٢٢٧٧ - ٢٢٨٠ - ٢٢٨١ - ٥٦٩٦، مسلم ١٥٧٧] من حديث أنس، وعندهما: بصاع، أو صاعين، وفي رواية لأبي داود [٣٤٢٤] مثل ما هنا، وروى ابن حبان في صحيحه من حديث جابر قال: أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا طيبة أن يأتيه مع غيبوبة الشمس، فأمره أن يضع المحاجم مع إفطار الصائم، ثم سأله كم خراجه؟ فقال: صاعين، فوضع النبي -صلى الله عليه وسلم- وسلم عنه صاعاً، وروى الطبراني من حديث ابن عباس: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث إلى أبي طيبة ليلاً، فحجمه، وأعطاه أجره.
(٢) سقط من: ز.
(٣) في ز: تحريمهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>