قال الرافعي: هذه القواعد أصول في الباب لا بد من معرفتها، والأولى منها مبنية على أصل كثير الولوج في أبواب الفقه، وهو أنا إذا تيقنا وجود شيء، أو عدمه ثم شككنا في تغيره، وزواله عما كان فإنا نستصحب اليقين الذي كان، ونطرح الشك، إذا تذكرت ذلك.
فلو شك في ترك مأمور ينجبر تركه بالسجود وهو الأبعاض، فالأصل أنه لم يفعله فيسجد للسهو.
قال في "التهذيب": هذا إذا كان الشَّك في ترك مَأْمُورٍ مفصل، فأما إذا شك في الجملة في أنه هل ترك مأموراً أم لا؟ فلا يسجد كما لو شك هل سها أم لا؟ ولو شك في ارتكاب منهي مثل شكه في أنه تكلم ناسياً أم لا، أو سلم ناسياً أم لا، فالأصل أنه لم يفعل، ولا سجود عليه، ولو تيقن السَّهْوَ وشك في أنه هل سجد للسَّهْوِ أم لا فيسجد؟ لأن الأصل أنه لم يسجد، ولو شك في أنه سجد للسهو سجدة أو سجدتين فيأخذ بأنه لم يسجد إلا واحدة ويسجد أخرى، لأن الأصل في الثانية العدم (١).
ولو شك في صلاته فلم يدر أثلاثاً صلى أم أربعاً أخذ بالأقل، وأتى بالمشكوك فيه، وسجد للسهو، خلافاً لأبي حنيفة -رحمه الله- حيث قال: إن كان هذا الشك أول ما عرض له بطلت صلاته، وإن كان يعرض له كثيراً تحرى وبنى على غالب ظنه، فإن لم يغلب على ظنه شيء بنى على اليقين.
وعن أحمد رواية أن الإمام يتحرى خاصة، ويعمل بغالب ظنه، والظاهر عنه مثل مذهبنا.
لنا ما روى أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي- قال: "إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلاَثاً أَمْ أَربَعًا؟ فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا
(١) قال النووي: ولو يتقن السهو، وشك هل هو ترك مأمور، أو ارتكاب منهى؟ سجد -والله أعلم- روضة الطالبين (١/ ٤١٣).