للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتَيقَنَ، وَيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ صَلاتُهُ تَامّةٌ كَانَتْ الرَّكْعَةُ وَالسَّجْدَتَيْنِ نَافِلَةً، وَإِنْ كَانَتْ صَلاتُهُ نَاقِصَةً كَانَتْ الرَّكْعَةُ تَمَاماً، والسَّجْدَتَانِ تَرْغِيماً لِلشَّيْطَانِ" (١).

وعن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فَلَمْ يَدْرِ أَوَاحِدَةٌ صَلَّى أَمْ اثْنَتَيْنِ، فَلْيَبْن عَلَىِ وَاحِدَةٍ، وَإنْ لَمْ يَدْرِ ثِنْتَيْنِ صَلَّى أوْ ثَلاثَاً، فَلْيَبْن عَلى ثِنْتَيْن، فإنْ لَمْ يَدْرِ ثَلاَثاً صَلَّى أَمْ أْرْبَعاً؟ فَلْيَبْنِ عَلَى ثَلاَثٍ، وَيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمِ" (٢).

وعندنا لا مجال للاجتهاد في هذا الباب، ولا يجوز العمل بقول الغير أيضاً.

وفيه وجه: أنه يجوز الرجوع إلى قول جمع كثيرين كانوا يرقبون صلاته، وكذلك إذا قام الإمام إلى ركعة يظنها رابعته، وعند القوم أنها خامسة، فنبهوه لا يرجع إلى قولهم.

وفي وجه: وإن أكثر عددهم رجع إلى قولهم، والمشهور الأول لأنه تردد في فعل نفسه، فلا يرجع إلى قول غيره فيه، كالحاكم إذا نسي حكمه لا يأخذ بقول الشهود عليه.

إذا عرف ذلك، فالبناء على الأصل مستمر على الأصل الذي تقدم؛ لأن الأقل فيما سوى القدر المستيقن العدم، وأما الأمر بسجود السهو فمخالف لذلك الأصل؛ لأنه إذا بني على اليقين، وأتى بركعة أخرى فقد تمت صلاته خالية عن السهو بالزيادة ظاهراً، فلماذا يسجد؟ حكى إمام الحرمين خلافاً في تنزيله قال: قال شيخي، وطائفة: المعتمد فيه ما روينا من الخبر، ولا اتجاه له من جهة المعنى.

وقال الشيخ أبو علي: المقتضى للسجود تردده في أمر الركعة الأخيرة، فإن كانت زائدة فزيادتها تقتضي السجود، وإلا فالتردد فيها أهي أصلية مفروضة، أم زائدة يوجب ضعف النية، ويحوج إلى الجبر بالسجود، قال: ويتفرع على هذا الخلاف ما لو زال تردده قبل السَّلاَمِ، وعرف أن الركعة الأخيرة هي الرابعة حقاً، وأنه ما زاد شيئاً، هل يسجد للسهو؟ قطع الشيخ أبو محمد بأنه لا يسجد، فإن المتبع الحديث، والحديث ورد في دوام الشَّكِّ والتردد.

وقال الشيخ أبو علي: يسجد؛ لأن تلك الركعة تأدت على التردد، وضعف النية فيها، فزوال التردد بعد ذلك لا يغني عن الجبر الذي مال إليه إمام الحرمين كلام شيخه وأنه لا يسجد عند زوال التردد، واعترض على كلام الشيخ أبي علي، وقال إنه منقوض


(١) أخرجه مسلم (٥٧١).
(٢) أخرجه الترمذي (٣٩٨) وقال حسن صحيح وابن ماجة (١٢٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>