للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بما إذا لم يدر الرجل أقضى الفائتة التي كانت عليه أم لا؟ فإنا نأمره بقضائها، ولا يسجد للسهو إذا قَضَاها، وإن كان هو متردداً في أنها هل هي مَفْرُوضَة عليه من أول الصَّلاَةِ إلى آخرها أم لا؟ وفي لفظ الكتاب ما يشعر بموافقته الإمام على اختياره، فإنه أسند سجود السهو في المسألة إلى الخبر، ثم قال: وقيل: إن عليه كذا، وقد بَيَّنَّا أن هذا السِّياق يشعر بترجيح الأول، لكن المنقول عن القفال يوافق ما نسبه في المسألة إلى الشيخ أبي علي، ولم يورد صاحب "التهذيب" وكثيرون سواه، وضبطوا صور عروض الشك وزواله، فقالوا: إن كان ما فعله من وقت عروض الشك إلى زواله ما لا بد منه على كل احتمال فلا يسجد للسهو، فإن كان زائداً على بعض الاحتمالات سجد للسهو.

مثاله: لو شك في قيام من صلاة الظهر أن تلك الركعة ثالثة أو رابعة فركع وسجد على هذا الشَّك، وهو على عزم القيام إلى ركعة أخرى أخذاً باليقين، ثم تذكر قبل القيام إلى الأخرى أنها ثالثته، أو رابعته فلا يسجد للسَّهْوِ؛ لأن ما فعله في زمان الشَّكِّ لا بد منه على التقديرين جميعاً، وإن لم يتذكر حتى قام إلى الأخرى سجد للسَّهْوِ، وإن تذكر أنها كانت ثالثته، وهذه رابعة لأنه كان احتمال الزيادة، وكونها خامسة ثابت حين قام (١).

وقوله في الكتاب: (فالأصل العدم إلا في مسألة) -يعني- أنه يعمل بقضية هذا الأصل إلا في هذه المسألة، فلا يعمل به، لأن هذه المسألة تغاير ما قبلها في نفس الأصل حتى لا يكون الأصل فيها العدم، وليس الغرض استثناء هذه الصورة الفردة؛ بل نظائرها في معناها كما إذا شك في ترك ركن سوى النية والتكبير يبنى على اليقين، ويسجد للسهوِ، وتَرْكُ الأَصْلِ في هذه الصورة ليس في الأخذ بالأقل، ولكنه في الأمر بسجود كما بَيَّنَّا، ولذلك قال: (أخذ بالأقل قياساً، ومسجد للسهو جبراً)، والصورة المستثناة قد ذكرها وحكمها في الفصل السابق على هذا الفصل فهي معادة هاهنا، لكن هذا الموضع أحق بذكرها، ولذلك زاد هاهنا الكلام في سبب سجود السَّهْو، وفرع عليه وكأنه قصد بذكرها في الفصل السابق التدرج منعاً إلى الشك بعد السلام، ولو اقتصر على ذكرها في هذا الموضع وعقبها بمسألة الشَّكِّ بعد السلام لم يكن به بأس.

وقوله آخراً: (وقيل: لا يسجد عند زوال التردد) تفريع على إسناد سجود السهو إلى الجبر، وليس شيئاً مستأنفاً، ولو قال: وعلى الأول لا يسجد عند زوال التردد لكان أوضح.


(١) قال النووي: ولو شك المسبوق، هل أدرك ركوع الإمام، أم لا؟ فسيأتي في بابه إن شاء الله تعالى، لأنه لا تحسب له هذه الركعة. قال الغزالي في "الفتاوى" فعلى هذا يسجد للسهو، كما لو شك، هل صلى ثلاثاً، أم أربعاً؟ هذا الذي قاله الغزالي ظاهر ولا يقال: يتحمله عنه الإمام، لأن هذا الشخص بعد سلام الإمام شاك في عدد ركعاته، -والله أعلم- روضة الطالبين (١/ ٤١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>