لكونه مفضولاً، ومتَّهَماً في الزيادة، وإنما يَصِيرُ مفضولاً، إذا قرب صاحبه من الفوز والاستيلاء، والوجْهُ المذكورُ في أنه لا يجوز إلحاق الزيادة والنقصان بالتراضي، والوجهُ الآخرُ في أنه ليس لأحدهما الاستبداد: يطردان في المسابقة، وإن لم يذكرُهْما هناك، وفي "الجعالة" إذا زاد الجاعل في الجُعْل، كان متَّهماً كالمفضول ففي زيادته الخلافُ، فإن لم تلحق الزيادة بها، فذاك، وإن ألحقناها، وقد عمل العامل بعض العمل، ولم يرض بالزيادة فُسِخ العقْد، قال الإِمام: والوجه أن تثبت له أجرة المثل؛ لأن التركَ بسبب الزيادة بخلاف ما إذا عمل بعض الَعمل، وترك الباقي بلا عذرٍ؛ حيث لا يستحق شيئاً.
وقوله في الكتاب:"وهل يجوزُ له الاستبدادُ" بعدما ذكر جواز الزيادة والنقصان بالتراضي، ينصرف ظاهراً إلى الزيادة والنقصان جميعًا، لكِنَّ المقصودَ هاهنا الزيادة، ألا تراه قال الثالث: "يجوز للذي قَرُب مِنْ أَنْ يَسْتولِيَ دون المغلوب وقياس هذا الوجه في جانب النقصان أن يجوز النقصان للذي قَرُبَ من أن يغْلِب دون الذي قَرُب من الاستيلاء؛ فإنه المتَّهم في النقصان بالحرص على الاستيلاء، وذكر الإمامُ: أنه لا ينبغي أن يشبه الحطُّ والنقصان هاهنا بإبراء البائع عن بعض الثمن؛ لأن الإِبراء كالاستيفاء، وليس شيئاً يلتحق بالعقد؛ ألا ترى أنه ينفذ بعد لزوم العقد، وأنه يَجْرِي في قيم المتلفات أو في العروض، وحيث لا يتوقع إلحاق الزيادة، وحطُّ الأرشاقِ والقرعاتِ ليس في هذا المعنى، فهو على التردُّد المذكور في الزيادة، نعَمْ، مَنْ شَرَط السبق له، لو حطَّ قبل الفوز، فهل هو كالإِبراء عن الشيء قبل وجوبه، وقد ظهر سببُ وجوبه؟.
الثانية: يجوز لكل واحد منهما على هذا القول تأخيرُ الرمْي والإِعراض عنه من غير فَسْخ، وكذلك الفسْخ، إذا لم يكن المُعرِضُ مفضولاً، وإن كان مفضولًا متهماً، فهل له أن يجْلِسَ ويترَك النضال؛ فيه وجهان أو قولان؛ على ما ذكرنا في المسابقة، قال الإمامُ: وفي جواز فسخه الخلافُ الذي ذكرناه في جواز الزيادة؛ ويفضي الأمرُ، إذا فرَّقْنا بين المفضول وغيره إلى أنَّ الحكمَ بالجواز مطْلقاً مقْصورٌ على ما إذا لم يَصِرْ أحدهما مفضولاً، فإن صار مفضولاً، لزم في حقه، وبقي على الجواز في حق الآخر، والخلافُ في أن المفضولَ هل ينفذ فسخُه، أجرى في فسخ الجاعل الجَعَالة، بعدما أتى العامل ببعض العمل، وكانت حِصَّةُ عمله من المسمَّى تزيد على أجرة المثل، ولو شرطا في العقد أنَّ لكل واحدٍ منهما أن يجلسَ، ويتركَ النضال إن شاء، فسد العقد، إن قلنا: إنَه لازمٌ، وكذلك إن جعلناه جائزاً، وقلنا: ليس للمفْضُول التركُ والإِعراض، وإن قلْنا: له ذلك، لم يضرَّ شرطُه، فإنه مُقْتضَى العقد، وإن شرطا أن المُسْبَق، إن جلس، كان عليه السَّبَق، فهو فاسد على القولَيْن؛ لأن السبَقَ، إنما يُشْرَع في العمل، ولو كانا يتناضلان، فَفَضَل أحدُهما الآخر بإصابات، فقال له المفضول: حُطَّ فضلك، ولك عليَّ كذا، لم يجز، سواءٌ جعلنا هذه المعاملة لازمةً أو جائزةً،