للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= الشافعية ورواية عن أبي حنيفة، وهو مروي عن ابن عمر وابن عباس وعائشة -رضي الله عنهم- والشعبي وعكرمة وعطاء والقاسم وغيرهم، وسواء تعلق عندهم بالماضي أو بالمستقبل؛ لقوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ ...} الآية يقال: "لَغَا يَلْغُو، وَلَغَا يَلْغَا إِذا تكلّم بما لا حقيقة له، ولا قصد له فيه، وقد ذكر في التفسير هو ما يسبق إليه اللسان من غير قصد، كقوله: "لاَ وَاللهِ، وَبَلَى وَالله" قال الأزهري: اللغو في كلام العرب على وجهين:
أحدهما: فضول الكلام، وباطله الذي يجري على غير عقد.
والثاني: ما كان فيه رفث وفحش ومأثم.
وقال قتادة في قوله تعالى: {لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً}: ما يؤثم. وقالت عائشة -رضي الله عنها- إنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يَعْنِي فِي اللَّغْو في الْيَمِين"، هُوَ كَلاَمُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ: "لاَ وَاللهِ وَبَلَى وَاللهِ"، أخرجه أبو داود، ورواه الزهريّ وعبد الملك بن أبي سليمان ومالك بن مغول عن عطاء عن عائشة موقوفًا.
وقالت المالكية: هو الحلف على شيء يعتقده الحالف "أي: يغلب على ظنِّه فيظهر له خلافه"، وهو مذهب الحنفية.
وحجتهم في ذلك: "أن قوماً تَرَاجعوا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وهم يرمون بحضرته، فحلف أحَدُهُمْ لقَدْ أَصَبْتَ وَأَخْطَأتَ يِا فلان، فهذا الأَمْرُ بخلاف ذلك. فقال الرجل: حَنَثَ يَا رَسُولُ اللهِ. فقال -صلى الله عليه وسلم-. أَيْمَانُ الرَّمَاةَ لَغْوٌ لاَ حَنَثَ فِيهَا وَلاَ كَفَّارَةَ"، فقد جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يمين من حلف، وهو ظانه أن الأمر على ما حلف، فهذا هو بخلافه يمين لغو لا كفّارة فيها، وذلك مفيد أن لغو اليمين هو ما تقدم.
وقالت الحنابلة: هو ما جرى على اللسان من غير قصد أو الحلف على شيء يعتقده، فيظهر له خلافه، ودليلهم ما تقدم للشافعية والمالكية والحنفية.
وإذا نظرنا إلى دليل كل وجدنا أن اللغو الذي ينبغي أن يعتبر هو: ما جرى على اللِّسان من غير قصد فقط. لأن هذا هو معنى اللغو في اللغة، والألفاظ تحمل على معانيها اللغوية، ما لم يرد عن الشرع ما يحملها على خلافه، ولم يرد عنه ما يُخَالِفُ ذلك، بل وَرَدَ ما يعضده فقد أَجَابَتْ عائشة -رضي الله عنها- حِينَمَا سُئِلَتْ عَنِ اللَّغْوِ في اليمين بأنه هو كلام الرجل في بيته. "لاَ وَاللهِ وَبَلَى والله"، ووافقها على ذلك كثير من الصحابة والتابعين، فإن كان هذا القول قالته عن سماع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فالحجة فيه واضحة، وإن كان قولاً منها، فهو تفسير لصحابي يعرف معاني الألفاظ اللغوية، والمعاني الشرعية، وقوله مقبول.
وأما حديث الرّماة: فقد قال الحافظ فيه: أنه لا يثبت؛ لأنه من مراسيل الحسن، وهو ممن لا تعتبر مراسيله؛ لأنه كان لا يتحرى الثقة.
اليمين المنعقدة: الناظر في الآية الكريمة {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ ...} الآية يرى أن اليمين قسمان لا ثالث لهما فما خرج من اللغو دخل في الانعقاد وتثبت فيه الكفَّارة سواء تعلق بالماضي أو بالحال أو بالاستقبال وإلى هذا ذهب الشافعي ولذا جعل اليمين الغموس يميناً منعقدة وأثبت فيها الكفارة من غير تفصيل.
ووجهته في ذلك أن الله سبحانه وتعالى قد جعل الأيمان قسمين: لغوا ومنعقدة وما سوى اللغو منعقدة وفيها الكفارة بقوله سبحانه {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ =

<<  <  ج: ص:  >  >>