للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . .


= ووجهتهم في ذلك ظاهر قوله تعالى: {أَو تَحْرِيرُ رَقبَةٍ} حيث إنها لم تفرق بين الرقبة المعيبة، والرقبة السليمة، ولم يوجد ما يقيد هذا الإطلاق من كتاب أو سنة.
وبالنظر في وجهة كل نجد أن قول الجمهور: هو الراجح لما تقدم؛ ولأن العتق نوع كفارة، فلا يجزئ فيه ما يقع عليه الاسم، كالإطعام، فإنه لا يجزئ أن يطعم مسوساً ولا عفناً، وإن كان يسمى إطعامًا، فالمراد من الرقبة الرقبة الكاملة والمعيب ليس بكامل، فيجب المصير إلى التقييد مراعاة للمصلحة العامة؛ لأن الفرض من إعتاقه، أن يكون عضواً عاملاً في المجتمع الإِنساني، فيكمل به بِنَاءُ الإِنْسَانيَّةِ.
واتفق الفقهاء جميعاً على أن عتق الرقبة يجب أن يكون خالصاً للكفارة، فلا يجزئ العتق عن الكفارة في مقابلة عوض يأخذه المكفر من العبد، كما لا يجزئ عتق الرقبة المشتراة على شرط العتق لأن ذلك عتق في مقابلة عوض إذ البائع لما تساهل في الثمن في نظير هذا العتق فكأنه ترك جزءاً منه في مقابلة.
ولا فرق في إجزاء عتق الرقبة بين أن تكون الرقبة مملوكة له أو مملوكة لغيره واشتراها بنية الكفارة.
غير أن للعلماء اختلافاً في إجزاء بعض الرقاب المملوكة أو المشتراة نذكرها فيما يأتي:
أم الولد:
جمهور الفقهاء ومنهم الأئمة الأربعة على عدم إجزاء عتقها في الكفارة. لأن عتقها مستحق بسبب آخر فلم يكن العتق خالصاً للكفارة، بل كانت كالعبد المشترى بشرط العتق.
وذهب أهل الظاهر وعثمان البتي وأحمد في رواية عنه إلى أن عتقها مجزئ في الكفارة لأن الله تعالى يقول: {أَو تَحْرِيرُ رَقبَةٍ} وذلك شامل لأم الولد وغيرها.
ونحن إذا نظرنا إلى وجهة كل نرى أن الحق هو ما ذهب إليه الجمهور, لأن الشارع يريد أن تتخلص هذه الرقابة من ذل العبودية. وما دام هناك سبب تتخلص به أم الولد من الرق غير سبب الكفارة فلا داعي لأن يضاف سبب آخر إليه ولنبحث عن رقبة أخرى ليس فيها ما يوجب تحريرها وبمنّ عليها بالعتق تكثيرا للنفوس المحررة.
المدبر:
ذهبت الشافعية، والحنابلة، والظاهرية، وجماعة من الفقهاء: إلى أن المدبر يصح عتقه في الكفارة؛ لأنه رقبة من الرقاب، وقد قال تعالى: {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}؛ ولأنه عبد كامل المنفعة لا عوض في عتقه، فجاز عتقه كالقنِّ.
وذهبت المالكية، والحنفية، والأوزاعي وجماعة من العلماء: إلى أن عتقه في الكفارة ليس بمجزئ؛ لأن عتقه مستحق بسبب آخر، فكان كأم الولد.
وبالنظر في وجهة كل نجد أن الحق مع من يقول بعدم الإجزاء؛ لأن إلحاقه بأم الولد أولى من إلحاقه بالقنِّ؛ لأن كلاً منهما استحق العتق بسبب غير سبب الكفارة، وجواز بيعه لا يلزم منه إجزاء التكفير به، على أن بعض العلماء يقول بصحة بيع أم الولد، ومع ذلك لا يجوز إعتاقها عن الكفارة.
"المكاتب": =

<<  <  ج: ص:  >  >>