للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . .


= ذهبت الشافعية، والمالكية، وأحمد في رواية عنه إلى أن المكاتب لا يجزئ عتقه في الكفارة مطلقاً أدى شيئاً من نجوم الكتابة، أم لا؛ لأن الكتابة لازمة من جهة السيد، فلا يملك إبطالها، فكان عتقه كأم الولد؛ ولأن عتقه مستحق بسبب آخر، فكان كالعبد المشترى بشرط العتق.
وذهبت الحنفية، والأوزاعي، وأحمد في مشهور مذهبه: إِلى التفصيل فيقولون: "إِنْ أَدَّى شَيْئاً مِنْ نُجُومِ الكتَابةِ لَمْ يَجْزُ عِتْقُهُ فِي الْكَفَّارَةِ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِ شَيْئاً مِنْهَا أَجْزَأَ عِتقُهُ فِيْهَا".
ووجهتهم في ذلك: أنه عند أداء بعض النجوم يكون عتقه كعتق العبد الذي ثبتت حرية بعضه، وذلك لا يجوز.
أما في الحالة الثانية: فيكون رقبة كاملة الملك لم يحصل عوض في مقابلة عتقها، فيجوز عتقه، كالعبد القنِّ.
وذهب أبو ثور وأحمد في رواية ثالثة: إلى إجزاء عتقه في الكفَّارة مطلقاً أدى شيئاً من مال الكتابة أم لا؛ لأنه لم يخرج عن كونه رقيقاً مابقي عليه درهم. لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "الْمَكَاتِبُ عَبْدُ، مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرهَمٌ" والله تعالى يقول: {أَو تَحْرِيرُ رَقبَةٍ} وهي شاملة له.
وبالنظر في وجهة. كل نرى أن الحق مع من يقول: بعدم إجزاء عتقه في الكفارة مطلقاً؛ لأن المكاتب قد أحرز نفسه، وماله بالكتابة، فصار كالحر؛ ولأن عتقه قد وجد له سبب، وهو الكتابة، فهو بصدد أن يكون حُراً، فعلينا أن نبحث عن رقبة أخرى لا سبب للحرية فيها، فنعتقها لنكثر من الرقاب الأحرار، والقول بأنه عبد ما بقي عليه درهم: لا يقضي بجواز عتقه في الكفارة إذ غاية ما يفيده هذا القول إنه ما لم يسدد نجوم الكتابة لا يصير كامل الحرية، وفرق بين الأمرين.
النوع الرابع: الصيام:
الخصلة الرابعة من خصال كفارة اليمين: هي صيام ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، والعلماء متفقون على أن تلك الخَصْلَةَ لا ينتقل إليها المكفر إلا بعد العجز عن الخصال السابقة؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ}.
لكنهم مختلفون في شيء آخر وراء هذا وهو: هل يجب التتابع في صوم تلك الأيام الثلاثة بحيث لا يتخللها فطر أو لا يجب ذلك فِيهِ خِلاَفٌ.
ذهبت الشافعية في الراجح من مذهبهم، والمالكية، والظاهرية، وأحمد في رواية عنه: إلى عدم اشتراط التتابع محتجين بأنه صوم نزل به القرآن غير مقيد بالتتابع، فجاز متفرقًا ومتتابعًا؛ لانه لم يوجد من السنّة دَلِيلٌ ثَابِتٌ يصح أن يقيد به هذا الاِطلاق، فالتقييد بالتتابع تَقْييدٌ. بلا دليل.
وذهبت الحنفية، وأحمد في مشهور مذهبه، والثَّورِيُّ، وأبو عبيد: إلى اشتراط التتابع محتجين بقراءة أُبَيِّ، وابن مسعود "فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةٍ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَات" قائلين: إن ثبت القرآن بهذا كان حجة ووجب حمل المطلق على المقيد؛ لأن القرآن يفسِّر بعضه بعضاً، وإن لم تثبت القرآنية بهذا، فلا يخرج ذلك عن أن يكون رواية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سمعها ابن مسعود، وأبي منه، فلها حكم الحديث المرفوع، وهو حجة، فيقيد به مطلق الكتاب، وَأيَّاً ما كان، فالتتابع ثابت بهذا، فلا يصح التفريق في الصِّيَام.
ونحن إذا نظرنا إلى وجهة كل نجد أن القول بالتتابع هو الراجح؛ لأن القائلين بعدم التتابع قد =

<<  <  ج: ص:  >  >>