الثالث: الحالف على أَلاَّ يدخل الدار، يَحْنَث بالحُصول فيها، سواءٌ دخلها من الباب أو من ثقب في بعْض الجُدْران، أو كان في الدار نَهْرٌ جار، فطَرَح نفْسَه في الماء، حتى حمله أو سبح أو رَكِب سفينةً، فدخلت السفينةُ الدار ونزل من السطْحِ، وفيما إذا نزل من السطْح وجهٌ آخَرُ، والصورةُ مذكورةٌ في الكتاب من بعْدُ، وسواءٌ دخَلَها راكباً أو ماشياً، ولو أدخل في الدار يده أو رأسه أو إحْدَى رِجْلَيْه، لم يَحْنَث، وكذا لو مدَّ رجليه، فادخلها الدار، وهو قاعد خارجَها، وإنما يحنث، إذا وضعها في الدار، واعتمد عليها أو حَصَلَ في الدار، متعلِّقًا بشيْء، وإن حَلَف أَلاَّ يخرج، لم يحنث بإخراج اليد والرْجل، ولا بإخراج الرِّجْلَيْن، وهو قاعد في الدار، ولو كان في الدار شجرةٌ منتشرةُ الأغصان، فتعلق ببعضها، فإن حصل في محاذاة البنيان، حَنِث، وإن حَصَل في محاذاة سُتْرة السطْح، ففيه الوجهان، وإن كان أعلَى من ذلك، لم يحنث وعن أصحاب أبي حنيفةَ: أنه، لو كان بحيث، لو سقط، سَقَط في الدار، حَنِث.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: المسألة الثانية: إذا حَلَف، لا يدخلُ ولا يسْكُن بيتاً، قاسم البيت يقع على المبْنَى من الطين، والآجُرِّ، والمَدَرِ، والحَجَرِ، وعلى المتَّخَذ من الخَشَب، والشَّعْر، والصُّوف، والجِلْد، وأنواع الخيام، فيُنْظَرُ، إن نوى نوعًا منْها، حُمِلت اليمين عليه، وإن أطلق، حَنِث بأي بيت كان، إن كان الحالف بدويًا؛ لأن الكل بيتٌ عنده، وإن كان من أهل الأمصار والقرى، فوجهان:
أحدهما: يُنْسَب إلى ابن سُرَيْج: أنه لا يَحْنَثُ ببيت الشَّعْر وأنواع الخيام؛ لأن المتعارف عليها عندهم، والمفهوم من اسم البيت هو المبنَى، وبهذا قال أبو حنيفة.
وأصحهُّما: وهو ظاهر النص: أنه يحْنَثُ أيضاً، واختلف في تعليله، فقيل؛ إنما يحنث؛ لأن أهل البادية يُسَمُّون بيت الشَّعْر ونحوه بيتًا، وإذا تبين هذا العُرْف عندهم، ثَبَت عنْد سائر الناس، ولذلك يقول: مَنْ حَلَف، لا يأكُل الخبز، يحنث بالمُتَّخَذ من الأرز، وإن كان الحالف مما لا يتعارفه، واعترض عليه بأنَّ منْ حَلَف ببغداد وغيرها أَلاَّ يركب دابة، لا يحنث بركوب الجمل (١)، وإن كان أهل مصر يسمونه دابةً، ولو كان