للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثبوت العُرْف عند قوم يقتضي التعميم، لَحَنِثَ وفي مسألة الخبز، لم يكن الحِنْثُ بهذا السبب، بل المتَّخَذ مَن الأرز يُسمَّى خبزاً في جميع البلاد ثم أهل بلد يطْلِقون اسم الخبز على ما يجدونه عندهم، وقيل: إنما يحنث؛ لأن المتَّخَذ من الشَّعْر والجِلّد يُسمَّى بيتاً في الشَرْع، قال الله تعالَى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَام بُيُوتاً} [النحل: ٨٠] واعتُرِضَ علَيْه بأنه لا يَحْنَثُ بدخول المساجِدِ على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى- مع أن الله تعالَى سماها بيوتاً، فقال عزَّ اسْمُهُ {في بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ} [النور: ٣٦] والأصح أنه، إنما يحنث؛ لأن اسم البيت يقع على جميعها في اللغة، فحُمِلَ اللفظ على حقيقته، واعترض عليه بأنا ترَكْنا الحقيقة للعُرْف فيما إذا حَلَف لا يأكل البيض، فقْلنا لا يحنَثُ (١) يَأْكل بَيْض السَّمكَّ؛ لأن العرْف خصَّص اللفظ بما يزايل بائِضُهُ في حياته، وفيما إذا حلف لا يأكل الرؤوس، فقلنا: لا يحنث بأكل رؤوس العصافير والسموك؛ للعُرْفُ، وأجيب عنه بأن هناك عَرَفَنْا عُرْفًا مستمراً على خلاف اللغة، فإنهم لا يطلقون اسم البيض على بَيْض السَّمَك، وإن كثرت عنْدهم، ولا اسم الرؤوس المشوية على رؤوس الطير والسمك مع كثرتها، وأما اسم البيت، فلا يستعملونه في المُتَّخَذِ من الشَّعْر والجلْد ونحوهما , ولا يفهمونها، من اللفظ عند إلاستعمال؛ لِفَقْدها أو قلتها عنْدهم، فلم يتحقَّق عُرْفاً على خلافِ اللغةِ، وكان ذلك كمسألة خُبْز الأرز، وفي المسألة وجهٌ ثالثٌ؛ وهو أن القرويَّ، إن كانت قريته قريبةً من البادية، يَحْنَث بدخول بيت الشعر والخيام؛ لاختلاط بعضهم ببَعْض، وفهمهم، معنى اللفظ عند الاستعمال وإن كانت بعيدةً، لم يحْنَث.

وقوله في الكتاب "مأخذهما أنه يُرَاعَى عُرْفُ واضِع اللسانِ أو عرف الحالِفِ وفهْمُه" قد يسلم أن في اللفْظ عرفاً بخلاف وضع اللغة، وكَلامُ الأئمة ينازعُ فيه على ما بيَّناه، ولو قال بالفارسية: (درخانه نشوم) (٢) فعن القفَّال: إنه لا يحنَثُ بيت الشَّعْر والخيام؛ لأن العَجَم لا يِطْلِقون هذا الاسم عليها، بل على المبنى، وعلى هذا أجْرَى الإِمام وصَاحبُ الكتاب والرويانيُّ وغيرهم -رحمهم الله-، وقد يُقال بالفارسية: (خانه توكَمان) (٣) لكن يعني به الجلد لا فَرْدٌ من الأفراد، وفي "التتمة" وجهٌ آخر: أنه لا فرْق فيه بين العربية والفارسيةِ، ويكون الحكم على ما سبق، ولا يحنث بدخول الكعبة، والمساجد، والبِيَع، والكَنَائِسِ، وبيوت الحَمَّام، والمغارة في الجبل؛ لأنها ليست للإيواء والسُّكْنَى، واسمُ البيت لا يقع عليها، إلا بضَرْب تقييد، كما يُقال: الكعبةُ بيت اللهَ أو البيتُ الحرامُ، وحَكَى صاحِبُ "التتمة" وجهَاً: إنه يَحْنَث بدخول الكعبة


(١) سقط من: ز.
(٢) جملة فارسية معناها: لن أبقى بالبيت
(٣) جملة فارسية بمعنى: أتتصور أنه بيتك؟!.

<<  <  ج: ص:  >  >>