للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمساجد؛ لقوله تعالَى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} [الحج: ٢٦] وقوله تعالَى: {في بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ) [النور: ٣٦]، وفي "الرقم": أن ابن سُرَيْج خرَّج في جميع ذلك لنفسْه قولاً، وعن أحمد -رحمه الله- أنه يحْنَث بالمسجد وبيْت الحمَّام، ولو دخل دهليز دارٍ أو صَحْنها أو صُفَتَها، فالأظهر عند الأصحاب: أنَّه لا يحْنَث؛ لأنه لا يُقال: دخَل البيت، وإنما وقَفَ في الدِّهْليز والصُّفَّةِ، وعن القاضي أبي الطيب: والميلُ إلى أنه يَحْنَثُ، وهو قول أبي حنيفة؛ لأن جميع الدار بيت للإِيواء (١).

قَالَ الغَزَالِيُّ: وَلَوْ قَالَ: لاَ أَسْكُنُ هَذِه الدَّارَ فَمَكَثَ سَاعَةً حَنِثَ (ح) وَإِنْ كَانَ دُونَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَكَذَا لَوْ أَخْرَجَ أَهْلَهُ وَمَكَثَ، وَلَوْ خَرَجَ وَتَرَكَ أَهْلَهُ بُرّ، وَلَوْ انْتَهَض لِنَقْلِ الأَمْتِعَةِ كَمَا يَعْتَادُ فَفِيهِ وَجْهَان.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: الثَالثَة: إذا حلف على أَلاَّ يسكن في هذه الدار أو لا يقيم فيها، وهو عند الحَلِف في الدار، فمكث فيها ساعةً فصاعداً من غير عُذْر، حَنِث (٢) , لأن استدامة السُّكْنَى بمثابة الابتداء؛ ولذلك يُقال: سكنتُ الدارَ شهراً كما يقال: لبستُ شهرًا (٣) وعن مالكٍ: أنه لا يَحْنَث، إذا أقام دون يوم وليلة، ونسب الإِمام هذا المذهب إلى أبي حنيفة، ولا يكاد يثبت، ولا فرق إذا مكث بين أن يُخْرِجَ أَهْلَه، وَيبْعَث متاعَه، وبين أَلاَّ يفعل ذلك؛ لأنه حلَف عَلَى سكنى نفْسِه، لا على أهله ومتاعه، وعند أبي حنيفة: إذا نقل متاعه، لم يحْنَث بالمُكْث، ولو خرج وترك أهله هناك ومتاعه، لم يحنَث، وعند أبي حنيفة وأحمَدَ -رحمهما الله- يحنث، وعند مالكٍ: يُعْتَبَر نقل العيال دون المال، قال الرويانيُّ: وعلى هذا، إذا حلف لا يَسْكُن داراً، فانتقل إليه بنفسه، ولم ينقل أهله وماله، يحنث عنْدنا، وعند مالك: لا يحنث حتى ينتقل إلَيْها مع أهله وعياله، وعند أبي حنيفَة: حتى ينتقل إليه ابن فسه وأهله وماله، واحتج الشافعيُّ -رضي الله عنه- لاعتبار الانتقال بالبدن بان المسافر يَقْصُر، وإن خلَّف أهله ومتاعه في بَلَدٍ، وبأنَّ من انتقل إلى مكة، وخلّف أهله وماله ببلد آخر، كان من حاضِرِي المسجدِ الحرامِ، حتى لا يلزمَهُ الدمُ، إذا تمتَّع، وعلى ضده، من أقام بغير مكة، وخلَّف بها أهله وماله، لم يكن من الحاضرين، حتى يلزمه الدمُ، إذا تمتَّع، ثم قال في "الأم" أنا منتقل من مكة إلى مصر ببدني، وبها أهلي وولدي ومالي وكتبي.


(١) قال النووي: ولا يحنث بدخول بيت الرحى على الصحيح، ذكره الغزالي وغيره.
(٢) قال في الخادم: تعبيره بالساعة فيه إبهام ولا شك أنه لم يرد الساعة الزمانية بل مراده الملك اليسير، وكذلك قال النووي في تعليقه على المهذب إنه يحنث وإن قل مكثه حتى لو وقف ليشرب حنث. وحكاه عن الأصحاب.
(٣) سقط من: ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>