ولو مكث بعُذْر؛ بأن أُغْلِق عليه الباب أَو مُنِعَ من الخروج أو خَافَ على نَفْسِه أو ماله لو خرج، أو كان مريضاً أو زَمِناً، لا يقدر على الخروج، ولم يجد من يخرجه، لم يحنث، وإن مرض، وعجز بعد الحَلِف، من الحنث الخلافُ في حِنْث المُكْرَه، وقد تخرج سائر الصوَرِ على ذلك الخلافِ، وإن وجد المريضُ من يُخرِجُه، فينبغي أن يأمره بإخراجه، فإن لم يفعل، حَنِث، وإن مكث الحالف مشتغلاً بأسباب الخروج، بأن انتهض لجمع المتاع ويأمر أهله بالخروج، وبلُبْس ثوب الخروج، فهل يحنث؟ فيه وجهان:
أحدهما: ويُنْسَب إلى العراقيين: نعم؛ لأنه أقام فيها مع التمكُّن من الخروج.
وأرجحُّهما: عند كثير من المعتبرين -رحمهم الله- وربما لم يذْكُروا سواه: المنع، وبه قال أبو حنيفةَ والقَفَّال -رحمهما الله-؛ لأن المشتغل بأسباب الخروج لا يُعَدُّ ساكناً في الدار، ويؤيده ما ذكروا؛ أنه لو خَرَج في الحال، ثم عاد، لِنَقْل متاع، أو زيارةٍ، أو عيادة مريض، أو عمارةٍ، لا يَحْنَث؛ لأنه فارقها في الحال وبمجرَّد العَوْد، لا يصير ساكنًا ولو احتاج إلى أن يبيت فيها ليلةً لحفْظ المتاع، ففيه احتمالان للقاضي ابن كج:
والأصح: عنده: أنه لا يَحْنثَ، ولو خرج في الحال، ثم اجتاز بها بأن دخل من باب، وخرجَ من باب، فعن تعليقة القاضي الحُسَيْن: أن الصحيح أنه لا يَحْنَث؛ لأن الذي وجد عبورٌ لا سُكْنَى، فإن تردَّد فيها ساعةً بلا غرض حَنِث.
ولك أن تقول: قوله: "لا أسكن" إن كان المرادُ؛ لا أمكث، فهذا ظاهرٌ، وإن كان المرادُ؛ لا أتخذها مَسْكناً، فإذا دخلها مجتازاً أو تردَّد فيها ساعةً، فينبغي ألاَّ يحنث؛ لاْنها لا تصير مسكناً بذلك، وقد يخطر مثل هذا التفصيل في أول المسألة، ويُقال: إن أراد ألاَّ يتخذها مسكناً، فهَّلا قيل، إذا قصد التحوُّل عنها: خرجَتْ عن كَوْنِها مسكناً فينبغي ألاَّ يحنث بالمُكْث ساعةً، لكن يجوز أن يُقال: إنها، إذا كانت مسكناً، لا، يخرج بمجرَّد النية عن المسكينة، كما أن المقيم لا يصيرُ مسافراً بمجرَّد النية، وفي "التَهذيب": أنه لو عاد مريضاً مارًّا، يعني في خروجه، لم يحنث، وإن قَعَد عنْده، حَنِث، ولو خرج في الحال، ثم دخل أو كان خارجاً حين حلف، ثم دخل، لا يحنث بالدخول، ما لم يمْكُث، فإن مكث حنث، إلا أن يشتغل بحَمْل متاع كما في الابتداء.