قَالَ الرَّافِعِيُّ: المسألة الرابعة: في الحلف علَى المساكنة، وأول ما نذْكُره فيها بيان المُسَاكنة؛ قال الشافعيُّ -رضي الله عنه-: المساكنة أن يكُونَا في بيت أو بيتَيْن حجْرَتُهما واحدةٌ، ومدخَلُهما واحدٌ، قال الشيخ أبو حامد: أراد بالحجرة الصَّحْن، فإن أقام كلُّ واحد في دارٍ، فلا مساكنة، سواءٌ كانت الداران كبيرتَيْن أو صغيرتَيْن أو إحداهما كبيرةً والأخرَى صغيرةً؛ كحجرة لطيفة بجنب دارٍ سواء كانتا في دربٍ نافذٍ أو غيرِ نافذٍ، ولو سكنا في بيتَينْ من خانٍ واحدٍ كبيرٍ أو صغيرٍ، فالذي ذكره أكثر الأصحاب من العِراقِيين وغيرهم -رحمهم الله- أنه لا مساكنة أيضاً، سواء كان البيتان متلاصفين أو متفرقين؛ لأنَّ الخان مبنيٌّ لسكنَى قوم، وبيوتُها تفْرَد بأبوابٍ ومغاليقَ، فهو كالدرب، وهي كالدور في الدَّرب، وحَكَى الإِمامُ وصاحِبُ "التهذيب" وغيرُهما فيه وجهاً آخرَ: أن الخان بناءٌ واحدٌ، وفي البيتين من الدرب الكبير (١) وجهان أيضاً.
والأظهرُ: أنه لا مساكنة، وينبغي أن يرتَّب الوجهان في الدار الكبيرة على الوجهين في الخان؛ لأن الدار تُعدُّ مسكنا واحداً لواحد، والخان يُبنَى لسكْنَى جماعة ويُرْوَى نحو من هذا عن الحسين الطبري في "عدته" ويشبه ألا يشترط في الخان أن يكون على كل بيت منها بابٌ وغَلَقٌ، كالدور في الدَّرْب، ويشترط في بيوت الدار الكبيرة أن يكون على كل بيت منها بابٌ وغَلَق، فإن لم يكونا أو سَكَنَا في صفتين منْها أو في بيت وصُفَّة، فهما مساكنان في العادة، وكان اشتراكهما في الصَّحْن الجامِعِ للبيتين في الباب المدخولِ منْه مع تمكُّن كل واحدٍ منهما من دُخول بيْت الآخر، جُعِل كالاشتراك في المَسْكَن.
ولو أقاما في بيتين من دار صغيرة، فهما مساكنان، وإن كان لكلِّ واحدٍ منهما بابٌ وغَلَقٌ لمقارنتهما وكونهما في الأصل مسكناً واحداً، بخلاف الخان الصغير، هكذا فَصَّل أكثرهم، ومنهم من أطلق وجهَيْن في بيتي الدار من غَيْر نَظَرِ إلى الصِّغَر والكِبَر، والرأي الأصحِّ حصول المساكنة، وبهذا أجاب في الكتاب، إذا قِيلَ به، فلو كان أحدهما في الدار، والآخَرُ في حجْرة منفردة المرافق، وبابُها في الدارِ، فوجهان والأصح: أنه لا مساكنة، وهو الذي أورده صاحبُ "التهذيب" في حجرتين منفردَتَي المرافق في الدار، والمرافقُ المُسْتَحَمُّ والمَطْبَخ والمرقَى وغيرها، والحُجْرة في الخان لَم يذكر فيها خلافٌ، وإن كان الممرُّ في الخان، إذا تقرَّر ذلك، فإذا قال: والله، لا أساكن فلاناً، فإما أن يقيد المساكنة ببَعْض المواضع لفظاً بأن يقول في هذا البيت أو في هذه الدار أو لا يقيِّد:
الحالة الأُولَى: أن يقيد، فيحنث بمساكنتهما في ذلك الموضع، وإن كانا فيه عند الحَلِف، ففارقه فلان أو فارق الحالفُ فلاناً، لم يحْنَث، الحالف، وإن مَكَثا فيه بلا