للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عذر، حَنِث، فإنَّ استدامِة المساكنةِ مساكنةٌ؛ ألا ترى أنه يَصِحُّ أن يُقال: ساكنتُ فلاناً شهراً، وإن بُنِيَ بينهما حائلٌ من طين، أو غيره، ولكل واحد من الجانبين مدخَلٌ أو أحدثا مدخلاً، فوجهان:

أحدهما: لا يحنَثْ؛ لاشتغاله برفع المساكنة، وهذا ما رجحه في "التهذيب".

وأصحهما: عند الجمهور: الحنث؛ لحصول المساكنة إلى أن يتم البناء من غَيْر ضرورة، فإن خرج أحدهما في الحال، فبنى الجدارَ، ثم عاد، لم يحنَثِ الحالفُ، ولا يخفى أنه لا بأسَ، والحالة هذه، بالمساكنة في موضع آخر.

والثانية: ألاَّ يقيِّدها لفظاً، فيُنظر؛ إن نوى موضعاً معيناً من البَيْت أو الدار أو الدرب أو المحلَّة، أو البلَّد، فالمشهور أن اليمين محمولةٌ على ما نَوَى، وفي طريقة الصيدلانيِّ: أنهما إنْ كانا يسْكُنان بيتاً واحداً من دار متَّحِدة المرافِقِ، فأراد أنه لا يساكنه في ذلك البيتِ، حملت اليمين على ما أراد، أما إذا لم يكن كذلك ولا جرى ذكْرُ تلْك المساكنة مثْل أن يقول صاحبه: سَاكنِّي في هذا البيت، فلا يُقبل قولُه، وتحمل اليمينُ على الدار، وحَكَى الفورانيُّ في البلد وجهاً: أن اللَّفْظَ لا ينزل عليه؛ لأن ذلك لا يُسَمَّى مساكنةً، وقيل: يجيء ذلك الوجه في المحلَّة، وإن لم يَنْوِ موضعاً معيناً، وأطلق المساكنة إطلاقاً، حَنِثَ بالمساكنة في أي موضع كان، وقد بيَّنَّا أن المساكنة أين تحْصُل وفي "التتمة" رواية قولٍ ضعيفٍ: أنه إذا حلَف ألاَّ يساكن فلاناً، وأطلق، وكلُّ واحد منهما في دارٍ وحجرةٍ مفردةٍ، فيحمل اليمين على الاجتماع الحاصل، فإن كانتا في دَرْبٍ واحدٍ، فلا بدّ من مفارقة أحدهما الدَّرْب، وإن كانتا في محلَّة، فلا بدّ من مفارقة أحدهما المحلَّةَ، وإن كانا عند الحَلِف في بيتين من خَانٍ، فعلى الصحيح؛ لا مساكنة ولا حاجة إلى مفارقة أحدهما الخان، وعلى الوجه الآخر: لا بدّ وأن يفارقه أحدهما، وإن كانا في بيتٍ واحدٍ من الخانِ، فيكفي أن يفارق أحدُهما ذلك البيتَ أو يَجب مفارقةُ الخان؟ فيه هذا الخلافُ، ثم سواء نوى موضعاً معيناً، أو نزل اللفظ على إطلاقه، فالقول في أن استدامة المساكنةِ كالمساكنةِ، وفيما إذ بُنَي بينهما حائلٌ؛ على ما مَرَّ في الحالة الأولَى، والاعتبار بالانتقال بالبَدَنِ دون الأهْلِ والمالِ؛ على ما مَرَّ في المسألة السابقة.

قَالَ الغَزَالِيُّ: النَّوْعُ الثَّانِي: أَلْفَاظُ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ: فَإِذَا قَالَ: لاَ أَشْرَبُ مَاءَ هَذِهِ الإِدَاوَاتِ لَمْ يَحْنَثْ إِلاَّ بِالْجَمِيعِ، وَلَوْ قَالَ: لأَشْرَبَنَّ لَمْ يَبَرَّ إِلاَّ بِالْجَمِيعِ، وَلَوْ قَالَ: لأَشْرِبَنَّ مَاءَ هَذَا النَّهْرِ لِزَمَتْهُ الكَفَّارَةُ فِي الحَالِ لِعُسْرِ البِرِّ، وَقِيلَ: يَبِرُّ بُشُربِ البَعْضِ هَهُنَا، وَلَوْ قَالَ: لأَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ غَداً فَفِي لُزُومِ الكَفَّارَةِ قَبْلَ الغَدِ وَجْهَانِ، وَلَوْ قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>