إحداها: إذا حلَف، وقال: لا أشرب من ماءِ هذه الإدَاوَة أو الجَرَّة، حَنِث بما شرِبَ من مائها من قليل وكثير، ولو قال: لأشربَنْ من ماء هذه الإداوة، بَرَّ بما شرب من قليل وكثير، ولو قال: لا أشرب من ماء هذا النهر، أو لأشربَنَّ منْه، فالحكم كما في الإدَاوَة، ولو قال: لا أشربُ ماءَ هذه الإِدَاوَةِ، أو الجَرَّة، أو الجُبِّ، أو المصنع، أو غيرهَما مما يمكن استقاء مائه، وإن احتاج إلى مدة طويلة، فلا يحنث إلا بشُرْبِ جميعه، وما دام يبقى منْه شيءٌ، فلا حَنِث، قال في "شرح مختصر الجويني": سوَى البلل الذي يبقى في العادة، وقال مالك: يحنث بشُرْب البعْض، وبه قال أحمدُ -قدَّس اللهُ روحَه- في إحدى الروايتَيْن.
لنا: أن الماءَ معروفٌ بالإِضافة إلى الإِداوة، فتناول الجميع كما في طرف الإثبات، ولو قال: لأشربَنَّ ماء هذه الإداوة أو الجُبِّ، لم يبرَّ إلا بشرب الجميع، ولو قاَل: أشرب ماء هذا النَّهر، أو البَحْر أَو البئر العظيمة، فهل يحنث بشرب بعضه؟ فيه وجهان:
أحدهما: ويُنْسَب إِلى ابن سريج، وابن أبي هريرة: نعم، وبه قال أبو حنيفة وأحمدُ -رحمهم الله- لأنه لا يمكن شُرْب الجميع، فينصرف اليمين إلى البعْض؛ ولأن مَنْ شرب من ماء دِجْلة، يُقال، في العرف: إنه شرب ماءِ دِجْلَةَ.
وأصحهُّما: المنع؛ على ما ذكره الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطَّيب والرويانيُّ، ونسبوه إلى عامة الأصحاب -رحمهم الله- ومنهم أبو إسحاق؛ لأن الحَلِف على الجميع، فصار كما لو قال: لا أشرب ماء هذه الإِدَاوَة، وقال القاضي أبو الطيب: يَنْبَغِي أن يُقالَ، على هذا: لا ينعقد يمينه، كما لو حَلَفَ، لا يصعد السماء؛ لأن الحِنْث فيه غير مُتصوَّر، ولو حلف، ليشربَنَّ ماء هذا النهْر أو البحْر، ففيه وجهان أيضاً:
أحدهما: أن اليمين محمولةٌ على البعْضِ، فيبَرُّ بشرب بعْضه، وإن قلَّ.
وأظهرهما: أنه لا يبرُّ بشرب البعض، وهو حانثٌ؛ لعجزه عن شرب الجميع؛ وعلى هذا، فيلزمه الكفارة في الحال أو قبيل الموت؟ فيه وجهان:
أحدهما: قُبَيْل الموت؛ لأن وقْت الشُّرْب غيرُ معيَّن.