للشكِّ في الهلال، فبان أنها كانت من الشهر، ففي الحِنْثِ قولاً حِنْثِ الناسي والجاهل.
ولو قال: لأقضيَنَّ حقَّك أول الشهْرِ، فهو كقوله:"عند رأس الشهر" أو عند استهلال الهلال ولو قال: أول اليوم، فينبغي أن يشتغل بالقضاء عند طلوع الفَجْر، وفي طريقة الصيدلانيِّ، أن أبا حنيفةَ قال: هو في مهلة إِلَى وقت الزَّوَالِ، وأنه قال في الشهر: هو في مهلة إلَى تمام الخامس عشر، ولو قال: لأَقْضِيَنَّ حَقَّكَ إلَى رأس الشهرِ، فالأظهر، وإليه ذهب المُزنيُّ، أنه ينبغي أن يقضيه قبل الاستهْلاَلِ؛ لأن "إلى" للغاية ولبيان الحد، كما ذكرنا أنه لو قال: لأقضينَّه إلى الغَدِ، فينبغي أن يقضيه قبل الغد، ولو قال:"إلى رمضانَ" ينبغي أن يقدم القضاء على رمضان، ومن الأصحاب من قال إنَّهُ كما لو قال: عند رأس الهلال، وهو ظاهر ما نقله المُزنيُّ؛ لأن "إلى" قد تكون للتحديد، وقد تكون بمعنى مع كقوله تعالَى {من أَنْصَارِي إِلَى اللهِ}[الصف: ١٤] أي مع الله، فلا يحنث بالشك، ويخالف ما إذا قال: إلى الغَدِ أو إِلَى رمضان؛ لأن جميع الغد، وجميع رمضان لا يقاربهما القضاء لحمل اللفظ بهذه القرينة على الغاية.
المسألةُ الثانية: لو قال: لأقضيَنَّ حقَّك إلى حِينٍ، لم يخْتصَّ ذلك بزمانٍ معينٍ، بل يقع لفظ الحين على القليل والكثير، كما بيَّنَّا في الطلاق، فيكونُ بمثابة قوله:"لأقضيَنَّ حقَّك" فمتى قضاه بَرَّ، وإنما يحكم بالحنث، إذا مات قبل أن يقضيه لا مع التمكُّن، ولو قال: إلى زمان أو دَهْرٍ أو حقب أو أحقاب فكذلك جميعُ العمر مهْلَتُه، وعن أبي حنيفةَ: تقدير الحقب ثمانين سنةً، وعن مالكٍ بأربعين، ولو قال: لا أكلِّمُكَ دهراً، أو حيناً أو زماناً أو حقباً، بَرَّ بأدنى زمان، ولو قال: أنتِ طالق بعد حين، حَنِثَ إذ مضتْ لحظةٌ، وفرق بينهما بأن قوله "بعد حين" تعليق، فيتعلق الطلاق بأول ما يُسَمَّى حيناً، وقوله:"لأقضيَنَّ حقَّك إلَى حين" وعْدٌ، والوعد لا يختص بأول ما يقع عليه الاسم، ولو قال: لأقضيَنَّ حقَّك إلَى مدة قريبة أو بعيدةٍ، فلا يتقدَّر أيضاً، فيكون الحكم كما في الحين، وعن أبي حنيفة: أن القريب ما دون شهر، والبعيد شهر فما فوقه، ولو قال: إلى أيامٍ، ففي المجرَّد للقاضي أبي الطَّيِّب: أنه يُحْمَلُ علَى ثلاثة أيامٍ، إذا لم يكن له نية؛ لأنه لفظُ جمعٍ. وعلى هذا جرى الصيدلانيُّ صاحبُ "التهذيب" وغيرُهُما، وقال آخرون، منهم المحامليُّ: الحكم كما ذكرنا في الحين والمدة القريبة والبعيدة، لوقوعها على القليلِ والكَثيرِ، يُقال: أيام العدل، وأيام الفتنة، فلا يتقدَّر بأقلَّ ما يقَعُ عَلَيْه الاسم، وعن أبي حنيفةَ: أنه يحمل على عَشَرةِ أيامٍ.
وقوله في الكتاب "لم يحنث بالتأخير إلا أن يفوت بموت أحدهما" ليُعْلَمْ بالحاء والميم والألف؛ لما ذكرنا من مذاهبهم في كتاب الطلاق، ثم ينبغي أن يُعْرَفَ فيه شيئان: