أحدهُما: أن في لفظ "التأخير" إشارةٌ إلَى أنه لو مات في الحال، لا يحنث، بل لا بُدَّ من مضى مدة التَّمكُّن.
والثاني: أنَّ قوله "يموت أحدُهما" يقتضي حصولَ الحِنْث بموت المقضى إليه كحصوله بموت الحالف لكنه صور فيما إذا قال: لأقضيَّن حقَّكَ، وقد سبق أن البرَّ في هذه الصورة يحصل بالدفع إلَى الوارث، فقضيَّة ما ذكره أن يكون التصْوير فيما إذا قال: لأقضينَّكَ حقَّك، أو لأقضيَّن حقَّكَ إلَيْك.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا حلف لا يرى منكراً إلا رَفَعَهُ إلى القاضي، فله أحوالٌ:
أحدهُمَا: أن يعيِّن القاضي فيقول: إلى القاضي فلانٍ، فإذا رأى منكراً، لا يلزمه المبادرة إلَى الرفع بل له مهلةٌ مدَّةَ عَمْرِه وعمر القاضي، فمتَى رفعه إلَيْه برَّ، ولا يشترط في الرفع أن يذهب إلَيْه مع صاحب المنْكَر، بل يكفي أن يحضر عند القاضي وحده، فيخبره أو يكتب إليه بذلك أو يُرْسِلَ رسولاً فيُخْبِرَهُ، وإن لم يرْفَعْه إلَيْه حتى مات أحدُهُمَا بعد التمكُّن، حنث، وإن لم يتمكَّنْ من الرفع لحنسٍ أو مرضٍ، أو جاء إلَى باب القاضي، فحجب، ففيه القولان في حنث المكره، ولو بادر إلى الرفع إِلَيْه، فمات القاضي قبل أن يصل إلَيْه، فطريقان عن الشيخ أبي حامد أنه على القولَيْنِ أيضاً، لفوات البِرِّ بغير اختياره، والأصحُّ، وبه قال أبو إسْحَاق والقاضي أبو الطيِّب القطع بأنه لا يَحْنَث؛ لأنه تبيَّن أنه لم يتمكَّن من الرفع، وأن الزمان لم يتَّسِع له أيضاً فإن الاشتغال بمقدِّمات الرفع كالاشْتِغال بالرَّفع، ولو عُزِلَ ذلك القاضي، فإن كانت نيته أنه يرفعه إليه، وهو قاضٍ أو تلفَّظ به، فلا يبَرُّ بالرفع إليه بعْد عزله، قال ابنُ الصَّبَّاغ، ولا يحنث، وإن كان بعد التمكُّن من الرفع إلَيْه؛ لأنه ربما يولَّى، واليمين على التراخي، فإن مات أحدهما, ولم يولَّ، فحينئذٍ يتبين الحِنْث، وإن نوى عنْ الشخْص، وذكر القضاء، تعريفاً له، بَرَّ بالرفع إليه بعْد العزل، وإن أطلق فوجهان في أنَّه، هل يبَرُّ بالرفع إليه بعْد العزل؛ ليقابل النظر إلى العين والصفة، وبالمنع قال أبو حنيفة، وأُلْحِق الوجهان بالوجهين فيما إذا قال لا أكلَّم هذا الصبي، فصار شيخاً، وفي نظائره، لكن رجَّح