للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التمكُّنَ، ولا يخرج فيه الخلاف، وقوله: "ولو رأى المنكر بعد اطَّلاَعِ القاضي" إلى آخره، هذه المسألة إنَّما تتوجَّه أيضاً في صُورة التعْيين، وهذه التنزيلاتُ مبنيَّةٌ من لفْظ "الوسيط" وترتيبه.

قَالَ الغَزَالِيُّ: وَلَوْ حَلَفَ لاَ يُفَارِقُ غَرِيمَهُ فَفَارقَهُ الغَرِيمُ فَلَم يَتْبَعْهُ لَمْ يَحْنَثُ، وَكَذَا لَوْ كَانَا يَتَمَاشَيَانِ فَمَشَى الغَرِيمُ وَوَقَفَ لأَنَّ المفَارِقَ هُوَ الغَرِيمُ إِلاَّ أَنْ يَقُولَ: لاَ يَفْتَرِقُ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا حلف، لا يفارق غريمه حتَّى يستوفِيَ حقَّه منه، ففي المسألة نظرات:

أحدُهُما: في المفارقةِ، والقولُ فيها على ما مَرَّ في افتراق المتبايعَيْن عن المجْلِس، والرجوعُ إلى العادة، فإنْ فارقه الحالف قبل أن يستوفي حقَّه مختاراً، حَنِث وإن كان ناسياً أو مُكْرَهاً، فعلى القولين المعروفين في النسيان والإِكراه، ولو فارقه الغريم أو فَرَّ منه، فعن أبي علي بن أبي هريرة والطَّبريِّ أن بعض الأصحاب -رحمهم الله- حكى خروجه على قولي الإِكراه؛ لحُصُول المفارقة من غير اختياره، والظاهرُ فيها أنَّه لا يَحْنَثُ الحالِفُ، سواءٌ تمكَّن من التعلُّق به ومنعه أو من متابعته أو لم يتمكَّن؛ لأنه حَلَف على فِعْلِ نفْسِه، فلا يحنث بفعل الغريم، وعلى هذا؛ فلو كانَتْ مفارقته بإذْنِ الحالف وأمْرِهْ لم يحْنَثْ بها أيْضاً وقال القاضي ابْنُ كج: إذا أذن له في المفارقة، ففارقه، كانَ حَانِثاً وزاد الصيدلانيُّ؛ فقال: إن أمكنه منعه من الذهاب، فلم يفعل حَنِث، ويقرُبُ منه ما حَكَى صاحبُ "التهذيبِ" عن شيخه أنَّه، إذا أمكنه متابعته، فلم يتابعه، حَنِث؛ لأنه بالقيام مفارقٌ له، والمشهَورُ ما تقدَّم، ولو كانا يتماشَيَان، فمشى الغريم، ووقَفَ الحالف، قال في الكتاب: "لا يحنث" لأن المفارقة حصلَتْ بحركة الغريم لا بسُكُونِ الحَالِفِ، والأظهر، وهو الجواب في "التتمة" و"التهذيب" ويُنْسَبُ إلى القاضي الحُسَيْن: أنه إذا مضى أحدهما في مشيه، ووقف الآخر يحنث الحالف؛ لأنه إن وقف الحالف، فقد فارقه بالوقوف؛ لأن الحادث هو الوقوف فتنسب المفارقة إلَيْهِ، بخلاف ما إذا كانا ساكنَيْنِ فابتدأ الغريم بالمشي لأن الحادث هناك المشْيُ، وإن وقف الغريم فقد فارقه الحالف حين مشَى مع العلم بوقوفه، وحيث قلْنا: لا يحنث الحالفُ بمفارقة الغرِيم، فلو فارق المكان بعد ذلك، لم يحنث، ولو قال: لا تفارقني حتى أَستوفِيَ حقِّي منكَ أو حتَّى توفِّيَنِي حقِّي، فاليمين ههنا منعقدة على فعْل الغريم، فإن فارقه الغريمُ مختاراً، حَنِثَ الحالف سواءٌ كانَتْ مفارقته بإِذنه أو دون إذْنه، وعن صاحب "التهذيب" أنه إنْ فرَّ منْه، ففي حِنْثِه القولان في الإِكراه، والظاهرُ الأول؛ لأن الحلف على فِعْله، وهو مختار في القرار، فإن فارقه ناسياً أوَ مُكْرَهاً، خرج الحِنْث على القولين، ونقل صاحِبُ "التهذيبِ" طريقةً أخرَى قاطعةً بأنه يحنث، والاختيار يعتبر في

<<  <  ج: ص:  >  >>