للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعل الحالف، لا في فعل غيره، والمذهبْ الأول، فر الحالف من، الغريم لم يحنث، ويجيء وجه؛ أنه إن تمكَّن الغريم من متابعته، فلم يفعل، يحنث ولو قال: لا أفترق أنا وأنت حتى أستوفي حَقِّي، أو لا نَفْتَرِقَ لا أنا ولا أنت، فاليمين منعقدةٌ علَى فعل كل واحدٍ منهما، فأيهما فارق الآخر مختاراً، حَنِث الحالف لحُصُول الافتراق، وإن فارق مكرهاً أو ناسياً، ففيه الخلافُ، ولو قال: لا افترقنا حتى أستوفيَ أو لا نَفْتَرِقُ، فوجهان:

أحدُهُما: أنه لا يحنث حتَّى يفارق كلُّ واحدٍ منهما صاحبَه، ولا يكفي وجود المفارقة من أحَدِهِمَا.

وأظهَرُهُمَا: وهو المذكور في الكتاب: أنه يحنث الحالِفُ مهما فارق أحدهما الآخر؛ لأنه يصدق القولُ بأنهما افْتَرَقَا.

النظر الثاني: في استيفاء الحَقِّ، فإذا قال: لا أفارقك حتَّى أستوفِيَ حقِّي منك، ثم أبرأه وفارقه، حَنِث؛ لأنه فوَّت البِرَّ على نفسه، وهل يحكم بالحِنْث عند الإِبراء أو بعد المفارقة يجيء فيه خلافٌ مرَّ في نظائره، ولو أفلس الغريمُ، فمنعه الحاكمُ من ملازمته، ففارقه فعَلَى قولَي المكره، وإن فارقه باختياره، حَنِث، وإن وجب تركه وإِنظارُهُ شرعاً، كما لو قال: لا أصلي الفَرْضَ، ثم صلَّى، حَنِثَ، وإن وجبت الصلاة عليه شَرْعاً، وإن أحاله الغريمُ عَلَى إنسان أو أحَالَ غَرِيماً له عليه، ثم فارقه فطريقان:

أحدهُما: البناء على أن الحوالة استيفاءٌ أو اعتياضٌ، إن قلنا: الأول، لم يحنث.

وأصحُهما: أنه يحنث بكل حال؛ لأنه ليس باستيفاءٍ حقيقةً، وحيث جعلْناه استيفاءً فمعناه أنه كالاستيفاءِ فِي الحُكْم، نعمْ، إن أراد أنه لا يفارقه، وعليه حقُّه، لا يحنث، ولو أخذ عوضاً عن حقه وفارقه، يحنث إلا أن يريد ما ذكرنا, ولا فرق بين أن يكون قيمةُ العِوَض مثلَ حقِّه أو أقل أو أكثر؛ لأنه لم يستَوْفِ حقَّه، وإنما استوفَى بدله وعند أبي حنيفة، لا يَحْنَثُ وبه قال مالكٌ، إذا لم يكن قيمته أقلَّ من حقه، ولو استوفَى حقه من وكيل الغريم، أو من أجنبيٍّ تبرَّع به عليه، ثم فارقه، حَنِث، إن قال: حتى أستوفِيَ حقِّي منك، ولم يحْنَثْ، إن اقتصر على قوله "حتى استوفي حقي"، وإن فارقه بعد الاستيفاء، ثمَّ وجَدَ ما استوفاه ناقِصاً، لم يحْنَثْ، إن كان من جنْسِ (١) حقِّه، لكنه


(١) لأن العيب لا يمنع من الاستيفاء نعم إن كان الأرش كثيراً لا يتسامح بمثله حنث. قاله الماوردي وتبعه ابن الرفعة.
قال الماوردي: فإن قيل نقصان الحق موجب للحنث فيما قل وكثر فهلا كان نقصان الأرش كذلك، قلنا لأن نقصان الحق محقق ونقصان الأرش مظنون.

<<  <  ج: ص:  >  >>