للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصلِّي أو أعتق، ففيه قولانِ، وَيُقَال: وجهان؛ لأن أحدهما على ما ذكر مخرَّج.

وأصحُهما: وهو المنصوص، وبه قال أبو حنيفة وابنُ سُرَيْجٍ والإِصطخريُّ - رحمهم الله-: أنه يصح، ويلزم الوفاء به أيضاً، لِمُطْلَق قوله -صلى الله عليه وسلم- "مَنْ نَذَرَ أنْ يِطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْه" ويُرْوَى هذا عن مالكٍ وأحمدَ -رحمهما الله- أيضاً.

والثاني: وبه قال أبو إسحاق وأبو بكرِ الصيرفىُّ -رحمهما الله-: أنه لا يلزم إلا بمقابلة عوض كما أن التبرّعَاتِ، لَمَّا لم يكن لها عوض (١)، لم تلزمْ بالعقد، وأيضاً فقد رُوِيَ عن ثَعْلَبِ أن النذر عند العرب وعْدٌ بشرط، ولو عقب النذر بقوله: إن شاء الله، لم يلزمه شيء كما ذكرنا في تعقيب الأيمان (٢) والعقود، ولو قال: لله علَيَّ كذا إن شاء زيدٌ، لم يلزمه شيء، وإن شاء؛ لأنه لم يوجَدْ منه التزام جازمٌ كما يليق بالقربات، وقد روي أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّمَا النَّذْرُ مَا ابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللهِ تَعَالَى" (٣) هكذا حُكِيَ عن القاضي الحُسَيْن وغيره -رحمهم الله-، وهو المذكور في الكتاب، وبه قال الإِمام: وهذا عندي خطأٌ، فإنَّ تقديره إن شاء، فللَّه عليَّ كذا، وهو كما إذا قال: إن قَدِمَ زيْدٌ، فلله عليّ، كذا ويؤيد الأولَ ما نصَّ عليه الشافعيُّ -رضي الله عنه- في نذر اللَّجاج؛ أنه إذا قال: إن فعلْتُ كذا، فلله عليَّ نذر حج، إن شاء فلانٌ، فشاء، لم يكن عليه شيء، قال في "التتَّمة": وهذا إذا غلَّبنا في نذر اللجاج معنى النذر، أما إذا غلَّبنا معنى اليمين، فهو كما لو قال: والله، لا أفعل كذا، إن شاء فلان، وقد سبق حكمه.

قَالَ الغَزَالِيُّ: وَأَمَّا المُلْتَزَمُ: فَهُوَ عَلَى ثَلاَثِ مَرَاتِبَ: الأُولَى: كُلُّ عِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ كَالصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ وَالْحَجَّ فَيَلْزَمُ بِالنَّذْرِ حَتَّى فُرُوضُ الْكِفَايَاتِ كَالجهَادِ وَتَجْهِيزِ الْمَوْتَى وَالصَّلاَةِ عَلَى الجِنَازَةِ، وَيَلْزَمُ بِصِفَاتِهَا حَتَّى لَوْ قَالَ: أَحُجُّ مَاشِياً أَوِ الْتَزَمَ طُولَ القِرَاءَةِ لَزِمَ كَمَا وَصَفَ، فإنِ الْتَزَمِ المَشْيَ فِي حَجَّةِ الإِسْلاَمِ أَوْ طُولَ القِرَاءَةِ فِي الفَرَائِضِ فَوَجْهَانِ، وَلَوْ نَذَرَ أَلاَّ يَتْرُكَ الوَتْرَ وَرَكْعَتَي الفَجْرِ فَوَجْهَانِ، وَلَوْ نَذَرَ أَلاَّ يُفِطْرِ فِي السَّفَرِ لَغَا قَوْلُهُ لأَنَّهُ تَغَييْرٌ لِلشَّرْعِ الثَّانِيَّةُ: القُرُبَاتُ: كَالعِيَادَةِ لِلْمَرِيضِ وَإِفْشَاءِ السَّلاَمِ وَزِيارَةِ القَادِمِ فَفِي لُزُومِهِ بِالنَّذْرِ وَجْهَانِ؛ إِذْ لَيْسَ عِبَادَةً وَلَكِنْ يُتَقَرَّبُ بِهَا عَلَى الْجُمْلَةِ، وَفِي تَجْدِيدِ الوُضُوءِ وَجْهَانِ، لأَنَّ الوُضُوءَ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ لَعَيْنِهَا فِي الأَصْلِ الثَّالِثَةُ: المُبَاحَاتُ: كَالأَكْلِ


(١) سقط من: ز.
(٢) صورة المسألة أن يقصد به التعليق كما أشار إليه بالتشبيه المذكور أما ما قصد به التبرك فيلزمه.
(٣) رواه أحمد [٢/ ١٨٣] من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص بهذا، وفيه قصة الرجل الذي نذر أن يقوم في الشمس، ورواه أبو داود [٣٢٧٣] بلفظ: لا نذر إلا فيما ابتغى به وجه الله، ورواه البيهقي من وجه آخر برواية أحمد (٢/ ١٨٥ - ٢١١) في قصة أخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>