قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا رأى القاضي حجة فيها ذكر حكم لإِنسان، وطلب ذلك الاإنسان منه إمضاءه، والعمل به نُظر؛ إن تَذَكَّر القاضي، أمضاه وعَمِل به كما لو طلب منه العمل في الابتداء، في أمالي أبي الفرج الزاز -رحمه الله- طريقة أخرى: إن أمضاه على القولَيْن في أن القاضي، هَلْ يقضي بعلمه، وإن لم يتذكره، لم يعتمده؛ لإمكان التزوير (١) ومشابهة الخطِّ، وكذا الشاهد، لا يشهد بمضمون الخط، إذا لم يتذكر، هذا، إذا لم يكن الكتاب محفوظًا، عنده، فإن كان، وبَعُدَ احتمال التزوير والتحريف، كالمحاضر والسجلات التي يَحْتَاط فيها القاضي على ما سبق، فالمشهور والمنصوص أنه لا يقضي أيضًا ما يتذكر؛ لإِمكان التحريف، وإن بَعُدَ، وكذا الشاهِدُ في مثل هذه الحالة، لا يشهد، وعن الشيخ أبي محمد وغيره وجه: أنه يجوز الاعتماد عليه، إذا وثق به ولم يتداخلْه ريبةٌ، وهو روايةٌ عن أحمد، وإذا قلْنا بالأول، ففي رواية الحديث؛ اعتمادًا على الخطِّ المحفوظ عنده، وجهان:
أحدهما: المنع إلى أن يتذكر كما في الشهادة، ولا يكفيه رؤية السماع، اعتمادًا على خَطِّه، أو خطِّ ثقة.
حكَى هذا الوجْهَ الصيدلانيُّ، والشيخ أبو إسحاق الشيرازيُّ، وأفتى به القاضي الحُسَيْن.
وأظهرهما: وهو المذكور في الكتاب: الجواز، لعمل العلماء به، سلفًا وخلفًا، وقد يتساهل في الرواية بما لا يتساهل به في الشهادة؛ ألا ترى أن الفرع يُرْوَى مع حضور الأصل؟ ولا يشهد أنه لو قال: حدَّثني فلان عن فلان؛ أنه يروى كذا، يُقْبَل:
(١) قال في الخادم: أطلق التذكر والظاهر أنه لا بدّ من ذكر القضية بتفاصيلها ولا يكتفي بذكر الحادثة على الإِجمال وبه صرح الجاجري في الإِيضاح وأشار إليه الماوردي حيث قال وإن عرف صحة خطه ولم يذكر وقت حكمه لم يجز أن يحكم بخطه وإن صح في نفسه وبه قال أبو حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف يجوز أن يحكم بخطه إذا عرف صحته وإن لم يذكر، قال وهو عرف القضاة في عصرنا. انتهى. قال صاحب الخادم: وقد عمت البلوى من القضاة في هذه الأزمنة من الحكم بمقتض ذلك عند غلبة الظن بصحة الخط من غير تذكر تفاصيل الواقعة، فإن كان ذلك عن تقليد لمذهب الشافعي فممنوع. انتهى وأصل ما ذكره كلام الأذرعي.