للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو قال: حَدَّثني فلان عن فلان أنه يشهد بكذا، لا يقبل، وإذا كتب إليه شيخٌ بالإِجازة، وعرف خطه جاز، له؛ تفريعًا على اعتماد الخطِّ أن يُرْوى عنه، فيقول: أخْبَرَني فلان في كتابه، أو كتب إلَيَّ، وهذا على تجويز الرواية بالإجازة، وهو الصحيح، ويُرْوَى عن أبي حنيفة ومالك -رحمهما الله- وأَفْتَى القاضي الحُسَيْن بمنعها (١)، كما لو قال: أذِنْتُ لك في أن تشهد على شهادتي في كل موضع عَرَفْتَ شهادتي، ولو رأى بخط معروف: سَمِعْتُ من فلان كذا، لم تجز الرواية عنه، وإن اعتمدنا الخطَّ؛ لأنه، وإن سمعه يقول: هذا خطِّي، لا يجوز الرواية؛ إذ الإِنسان قد يسمع ويكتب ما لا يرويه.

نعم، يجوز أن يقول: رأيتُ بخطِّ فلان، أني سمعت كذا، هذا حكم القضاء والشهادة والرواية بناءً على الخطِّ.


(١) قال النووي: وقد منعها أيضًا الماوردي في "الحاوي" ونقل هو منعها عن الفقهاء، وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله، ولكن أظهر قوليه، والمشهور من مذاهب السلف والخلف، والذي عليه العمل صحة الإِجازة، وجواز الرواية بها، ووجوب العمل بها. ثم هي سبعة أنواع قد لخصتها بفروعها وأمثلتها وما يتعلق بها في "الإِرشاد" في مختصر علوم الحديث، وأنا أذكر منها رموزًا إلى مقاصدها تفريعًا على الصحيح، وهو جوازها. الأول: إجازة معين لمعين، كأجزتك رواية صحيح البخاري، أو ما اشتملت عليه فهرستي وهذه أعلى أنواعها.
الثاني: إجازة معين لمعين، كأجزتك مسموعاتي أو مروياتي والجمهور على أنه كالأول، فتصح الرواية به، ويجب العمل بها، وقيل بمنعه مع قبول الأول.
الثالث: أن يجيز لغير معين بوصف العموم، كأجزت المسلمين، أو كل أحد أو من أدرك زماني ونحوه، فالأصح أيضًا جوازها، وبه قطع القاضي أبو الطيب، وصاحبه الخطيب البغدادي وغيرهما من أصحابنا، وغيرهم من الحفاظ. ونقل الحافظ أبو بكر الحازمي المتأخر من أصحابنا أن الذين أدركهم من الحفاظ كانوا يميلون إلى جوازها.
الرابع: إجازة مجهول أو لمجهول، كأجزتك كتاب السنن وهو يروي كتبًا من السنن، أو أجزت لزيد بن محمد وهناك جماعة كذلك، فهذه باطلة. فإن أجاز لمسمين معينين لا يعرف أعيانهم ولا أنسابهم ولا عددهم، صحت، كما لو سمعوا منه في مجلسه في مثل هذا الحال.
الخامس: الإِجازة لمعدوم، كأجزت لمن يولد لفلان أو لفلان، ومن يولد له، فالصحيح بطلانها، وبه قطع القاضي أبو الطيب، وابن الصباغ، وجوزه الخطيب وغيره. والإِجازة للطفل الذي لا يميز صحيحة على الصحيح، وبه قطع القاضي أبو الطيب، ونقله الخطيب عن شيوخه كافة.
السادس: إجازة ما لم يسمعه المجيز، ولم يتحمله بوجه ليرويه المجاز له إذا تحمله المجيز، وهي باطلة قطعًا.
السابع: إجازة المجاز وهي صحيحة عند أصحابنا، وهو الصواب الذي قطع به الحفاظ الأعلام من أصحابنا وغيرهم، منهم الدارقطني وأبو نعيم الأصفهاني، والشيخ أبو الفتح نصر المقدسي وغيرهم من أصحابنا. وإذا كتب الإِجازة استحب أن يتلفظ بها، ولو اقتصر على الكتابة مع قصد الإِجازة، صحت كالقراءة عليه مع سكوته.

<<  <  ج: ص:  >  >>