أحدهما: نعم؛ لأنه إِخبار عن حصول الشَّيْء وتحقيقه جزمًا.
وأصحهما: لا؛ لأنه قد يراد به قبول الشهادة واقتضاء البينة صحة الدعوى، فأشبه ما إِذا قال: سمعتُ البينة وقبلتُها، واحتج في "العدَّة" لهذا الوجه بأن الحكم هو الإِلزام والثبوت ليس إِلزام، ويقرب من هذا اللَّفْظ ما اعتاد القضاة إِثباته، عَلَى ظهور الكتب الحكمية وهو: صح ورود هذا الكتاب عليَّ، فقبلته قَبول مثله، وألزمت العمل بموجَبِهِ، قال القاضي أبو سعد الهروي: سئِلْتُ عنه في الدار النظامية بأصبهان، هل هو حكم فقلت: يرجع إِلى الحاكم، فإن قال: أردت الحكم، فهو حكم، وإن تعذَّر الرجوع، فالاعتماد على عرف الحكام، إِن اعتقدوه حكمًا، فهو حكم قال: ثم استقراري، لَمَّا وليت قضاءَ هَمْدان عَلَى أنه ليس بحكم؛ لاحتمال أن المراد تصحيحُ الكتاب وإثبات الحجَّة، وهذا هو الصواب، ولا يجوز الحكْمُ على المدعَى عليه إِلاَّ بعد سؤال المدعِي في أصحِّ الوجهين، ذكره في "العدة" وفي "الجُرْجَانِيَّات" لأبي العباس الرويانيِّ حكايةُ وجهين في أنَّه هل يصح أن يلزم القاضي الميِّت بموجب ما أقر به في حياته، ولا بدّ في الحكم من تعيين ما يحكم به، ومن يحكم له، لكن القاضي قد يبتلى بظالم يتوقع منْه ما لا يجوز له، ولا يستغنى عن ملاينته، فرخص له في رفْعِه بما يخيل إِلَيْهِ أَنَّه أسعفه بما توقع.
مثالُه: أقام خارجٌ بينةٌ وداخلٌ بينةٌ، والقاضي يعرف فسق بينة الداخل، ولكنه ممن لا بُدَّ من ملاينته، وهو يطلب الحكم؛ بناءً على ترجيح بينة الداخل، فيكتب: حكمْتُ بما هو قضيةُ الشرْع في معارضة بيِّنة فلانٍ الداخلِ، وبينةِ فلانٍ الخارجِ، وقررت المحكوم به في يد المحكوم له وسلطته عليه، ومكنته من التصرُّف فيه، إِذا تقرَّر ذلك، فإذا لم يحكم القاضي، وأنهى ما جَرَى من الدعوى، وإقامة الحجة بالكتاب، سَمَّى ذلك "كتاب نقل الشهادة" و"كتاب التثبيت" أي تثبيت الحجة، ويجوز أن يراد بِهِ تثبيت المدعي بناءً عَلَى أن قوله "يثبت عندي كذا" ليس بحُكْمٍ، وينص على الحجَّة فيذكر أنه قامت عنده بيِّنة أو شاهد ويمين، أو نكل المدعى عليه، وحلف المدعي، وهذا الثالث إِنما يكون عند حضور المدعى عليه، وإنما ينص على الحجَّة؛ ليعرف المكتوب إِليه أنه بم يحكم، وقد لا يرى بعض ذلك حجة، وهل يجوز أن يكتب بعلم نفسه؛ ليقضي المكتوب إِلَيْه، قال في "العدة": لا يجوز وإن جوَّزنا القضاء بالعلْم؛ لأنه، إِذا لم يحكم به، فهو كالشاهد، والشهادة لا تتأدى بالكتابة، وفي "أمالي" السرخسِّي أنه يجوز، ويقضي المكتوب إِليه، إذا جوَّزنا القضاء بالعلم؛ لأن إِخباره عن علمه إِخبارٌ عن قيام الحجة، فليكن كإِخباره عن قيام البينة، وإذا كتب بسماع البينة، فليسم الشاهدَيْن، والأَوْلَى أن يبحث عن حالهما ويعدلهما؛ فإن أهل بلدهما أعرف بحالهما، فإن لم يفعل، فعلى المكتوب إِليه البحث والتعديل، وإذا عدل، فهل يجوز أن يترك اسم الشاهدَيْن لفظ صاحب الكتاب يُشْعِر بالمنع منه، وقد صرح في "الوسيط" وكذلك ذكره