الكتاب، وإذا عرفنا أصلاً فنحن أغنياء عن إعادته في إفراد المسائل ويقرب من ذلك لفظ الشاهدين في قوله "فليظهره بشاهدين" نعم يمكن أن يشار به إلى أنه لا بُدَّ من البينة، ولا سبيل إلَى تحليف الخصم عَلَى عدالتهم، كما بيَّنَّاه، والله أعْلَم.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: كما أنَّ الحكم المُبْرَم ينهيه القاضِي إِلى القاضي تارةً بالكتاب والشهادة، وتارةً بالمشافهة كذلك سماع البينة يفرض فيه الطريقان، فلما تكلَّم لسماع البينة عقد هذا الفرعْ ليتكلَّم في المشافهة به، فإِذا نادَى قاضٍ من طرف ولايته قاضياً آخر في طرفِ ولايته أنِّي سمعتُ البينة بكذا أو جوَّزنا في بلد قاضيين، فقال أحدهما للآخر: هل للآخر أن يحكم بني الأِمام وصاحب الكتاب ذلك على أن سماع البينة وإنهاء الحال إلَى القاضِي الآخر نقل الشهادة الشهود، كنقل الفروعِ شهادة الأصول أو حكم بقيام البينة وفيه جوابان ووجه:
أولهما: بأنه، لو كان حكماً، لما افتقر إلى تسمية الشهود.
وثانيهما: بأنه لو كان نقلاً لما كفى ناقل واحدٍ، وقد اكتفينا بالقاضي المُنْهِي، فعلى الأول؛ لا يجوز للمقول له الحكم، كما لا يجوز الحكم بشهادة الفروع مَعَ حُضُور الأصُول، وعلى الآخر؛ يجوز كما في الحكم المبرم، وهذا أظهر عند الإِمام والمصنِّف، لكن عامة الأصحاب مَنَعُوا، وقالوا أيضاً: كتاب السماع، إِنَّما يقبل إِذا كانت المسافةُ بَيْن الكاتب وبين الذي بلغه الكتاب بَحَيْثُ يقبل في مثلها الشهادة على الشهادة، وهي مسافة القصر، وأما ما فوق مسافة العدوى على اختلاف سيأتي في موْضِعه، أما إِذ كانت المسافةُ دونَهَا، فلا يقبل، وهذا ما نصَّ عليه في "عيون المسائل" ويخالف الكتاب بالحكم المبرم حَيْثُ يقبل قربت المسافة أم بعدت، وفرقوا بأن الحكم هناك قد تم وليس بعده إِلا الاستيفاء، وسماعُ البينة بخلافه، فإنه إِذا لم تبعد المسافة ولم يعتبر إِحْضَار الشهود عند القاضي الآخر، ووجدتُ في نسختين مِنْ "أمالي" أبي الفرج السرخسيِّ عكس ما أورده الجمهور، وهو أن "كتاب السماع" يقبل مع قُرْب المسافة وبعدها، وكتاب الحُكْم لا يُقبل، إِلا إِذا بعدت المسافة، وهو غلط ناقل أو ناسخ، وليس وجهاً آخر، وإِذا قال الحاكم لخليفته: اسْمَعْ دعْوَى فلان وبينته، ولا تحكم حتى تعرفني، ففعل، هل للحاكم أن يحكم به، القياس أنه كإنهاء أحد القاضيَيْن