في البلد إِلى آخر؛ لإمكان حضور الشهود عنده، لكن الأشبه هاهنا أَنَّ لهُ الحُكْمَ؛ لأنه تجويز الاستخلاف للاستعانة بالخليفة، وذلك يقتضي الاعتداد بسماعه بخلاف سماع القاضي المستقل، وبهذا أجاب أبو العباس الرويانيُّ في "الجُرْجَانِيَّات" عَلَى تلَوُّم فيه.
وقوله في الكتاب:"فقال أحدهما للآخر: سمعتُ البينة فاقض كلمة "فاقض" ليست بشرط في صور المسائل، إذا جوزنا القضاء للمنقول إلَيْه، فيكتَفَى بقوله: "سمعت البينة"، لكن يستفاد من قوله: "فاقْضِ" تعديل الشهود، واستغناء المنقول إليه عن البحث.
وقوله: "لما اكتفى بواحد عند الغَيْب" يعني إِذا كان بينهما مسافةٌ، وكان لإِنهاء بالكتاب وقوله: "ولكن حكم بقيام البينة فقط" هذا اللفظ إنما يتوجه إذا سمع وعدل، فأما إذا اقتصر على السماع، فينبغي أن يقال: إنه حكم بالشهادة، والله أعلم.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: مقصود هذا الفصل الكلام في الحكم بالشيء الغائب بالغيبة؛ لأن القاضي يحتاج إلى مكاتبة قاضٍ آخَرَ؛ لغيبة المدعَى عليه تارةً، ولغَيْبَةِ المدَّعِي أُخْرَى، واعلم أن الحضور والغيبة، إنما يعتبران الأعْيَانَ، فأما إذا كانت الدعوى في نكاح أو طلاق أو رجعة أو إِثبات وكالة، فلا يوصف المدَّعِي بغيبة ولا حضور، وكذلك إذا كان المُدَّعَى دَيْناً، ومهما ادَّعَى عَيْناً، فإن كانت حاضرةً مشاراً إِليها، فيسلم إِلى المدَّعِي، إِذا تمت حجته، دمِان كانت غائبة، فينظر، أهي غائبةٌ عن البلد أم غائبة عن مجلس الحُكْم دون البلد.
الحالةُ الأولَى: إذا كانت غائبةً عن البلد، فهي إِما عين يؤمن فيها الاشتباه