تقويمٌ، فلا بدّ من العدد أن يشترط العدد في المقوِّم، ويجوز أن ينصب الإِمام قاسماً، ويجعَله حاكماً في التقوبم، فيعتمد في التقويم قول عَدْلَيْنِ، ويُقَسِّم بنفسه، وهل للقاضي أن يحكم ببصيرة نفسه في التقويم؟ حكَى في "الوسيط" فيه طريقين:
أحدَهما: أنه على القولين في أن القاضي، هَلْ يقضي بعلمه.
والثاني: القطع بالمنع؛ لأن التقويم تخمينٌ مجرَّدٌ، وللأولين أن يقولوا: إنه، وإن كان تخميناً، فلا يبْعُدُ أن يقام ظنُّه مقام الشهادة المبنية على الظنِّ، كما أُقِيمَ علْمُهُ مُقَامَ الشهادة المبنية على العلْم، وأيضاً قد مرَّ أن القاضي يعتمد في عدالة الشهود على بصيرة نفسه، ومعلوم أن المستَنَدَ فيه الظن، والطريق الثاني هو المذكور في الكتاب، والأول أشبه، وهو اختيار الإِمام، فيما أظن.
وقوله في الكتاب "وهي إن كانت بالإجبار فهل يُشْتَرَطُ العدد في القاسِمِ؟ فيه قولان" يجوز أن يعلم لفظ "القولين" بالواو؛ لقطع من قَطَع بالاكتفاء، بواحد، وتخصيصُ القولَيْنِ بقسمة الإِجبار لم يتعرَّض له في "الوسيط" بل أطلقهما إطلاقاً، وكذلك قول القاضي الرويانِّي، فيمكن أن يُقَالَ: أشار بهذا التقييد إلى أن الشركاء لو فوَّضُوا القسمة إلى واحدٍ بالتراضِي، جاز لا محالة؛ لأنه وكيل من قبلهم.
وقوله:"ويحكم بالعدالة ببصيرة نفسه" هذا قد سبق ذكره في موضعه، وكأنه أعاد لينبِّه عَلَى بُعْدِه عن الحكم بالتقويم ببصيرة نفسه على الطريقة الَّتِي ذكرناها، فإنه لا يقضي بالتقويم ببصيرة نفسه، وإن قلْنا: إنه يقضي بعلمه، وفي العدالة يقضي ببصيرة نفسه، وإن قلنا إنه لا يقضي بعلمه، والله أعلم.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: ذكرنا أن القاسم المنصوب من جهة الإِمام يدر رزقه علَيْه من بيْتِ المال (١)، وفي شرح "مختصر الجُوَيْنيِّ" وجه عن أبي إسحاقَ: أنه لا يدر من بيت المال لأنه لا يحتاج إلى تفريغِ النفْسِ لهذا العمل، بخلاف القاضي، والمذهبُ المشهورُ هو
(١) ويكون من سهم المصالح العامة وحكى الماوردي عن علي رضي الله عنه فعل ذلك، ولا يزاد على أجرة مثله كما صرح به الدارمي.