للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأول، وإذا لم يكف مؤنته من بيت المال، فأجرته على الشُّرَكَاء، سواءٌ طلب جميعُهُمُ القسمةَ أو بَعْضُهم دون بعض، وعن أبي حنيفةَ الأجْرةُ على الطالب خاصَّةً، حَكَى القاضي ابن كج وجْهاً مثله عن ابن القَطَّان وغيره (١)، والظاهر الأولُ، ثم يُنْظَر؛ إن استأجر الشركاء قاسماً وسمَّوْا له أجرةٌ، وأطلقوا، فتلك الأجرة تتوزَّع عَلَى قدر الحصص أو يكون على عدد الرؤوس؟ فيه طريقان:

أحدهما: أنه على القولين كما في الشفعة.

أصحُّهُمَا: وبه قال أحمد: أنها تتوزَّع على قدر الحصص؛ لأنها من مؤنات المِلْك، فأشبهت النفقة.

والثاني: على عدد الرؤوس (٢)، وبه قال أبو حنيفة، ويُحْكَى عن مالك أيضاً؛ لأن عمله في الحساب والمساحة يقع لهم جميعاً، وقد يكون الحسابُ في الجزء القليل أغمض، وأيضاً، فإن قلة النصب توجِبُ كثرة العمل؛ لأن القسمة تقَعُ بحسب أقل الأجزاء (٣)، وإن لم تجب على من قَلَّ نصيبه زيادةٌ، فلا أقل من التساوِي.

والطريق الثاني: القطْعُ بالقول الأول بخلاف الشفعة؛ لأن أصل الشَّرِكَةِ سَبَبٌ للأخذ بالشفعة، وقد اشتركا في أصل الشُّفْعَة، وهاهنا الأجرةُ في مقابلة العَمَلِ، والعمل فيمن يزاد نصيبه أكثر بالكيل في المكيلات، والوزن في الموزونات، وعلَى هذا الخلاف ما إذا استأجروا القاسم استئجاراً فاسداً، فقسم أن أجرة المثل كيف توزَّع؟ وكذلك إذا أمروا قاسماً، فقسم، ولم يذكروا أجرةً، إذا حكمنا بوجوب أجرة المثل في مثل ذلك، ويَطَّرِدُ هذا الخلاف في قسمة الإِجبار، إذا أمر القاضي قاسماً، فقسم، ولو استأجروا قاسمًا وسمَّى كلُّ واحد منهم أجرةً، التزمها، على كلِّ واحدٍ منهم ما التزم، وانقطع النظر عن الحصص والرؤوس جميعاً، وهذا واضحٌ إن فرض اجتماعهم على الاستئجار بأن قالوا: استأجرناك، لتقسم بيننا كذا بدينارٍ على فلان ودينارَيْنِ عَلَى فلان، ووكَّلوا وكيلاً يعقد لَهُمْ، كذلك وإن فُرِضَتْ عقودٌ مترتبةٌ، فقد ذكروا فيه إشكالاً وهو أن الشركاء، إذا كانوا ثلاثةً، فعقد واحدٌ لإِفراز نصيبه، ثم الثاني كذلك، فعلى القسام إفراز


(١) وليس للإِمام حينئذٍ نصب قاسم معين بل يدع الناس يستأجرون من شاؤوا لئلا يغالي المعين في الأجرة أو يواطنه بعضهم فيحيف، كذا ذكره الرافعي فيحتمل أنه حرام كما قاله القاضي حسين وأنه مكروه كما قاله الفوراني والأول أوجه. ذكره الخطيب.
(٢) ووجهه أن العمل في النصيب القليل كالعمل في الكثير، وهذه طريقة ذكرها المراوزة، وطريقة العراقيين الجزم بالأول.
قال ابن الرفعة: وهى أصح باتفاق الأصحاب.
(٣) في ز: الأجرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>