للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يلْعبون به، فقال "مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ" (١) ولأنَّه صَرْفٌ للعمر إلى ما لا يُجْدِي، وفيما عُلَّقَ عن الإِمام وجْهٌ: أنه مباحٌ لا كراهَةَ فيه.

والصحيح: إثبات الكراهة، إلا أنه ليس بمحرَّم؛ رُوي اللعبُ به عن ابْن الزُّبَيْر وأبي هُرَيْرة -رضي الله عنهما- وعن سعيدِ بن جبيرٍ -رضي الله عنه- أنه كان يلْعَبُ به استدباراً (٢)، وعن أبي حنيفَة ومالكٍ: أن اللعبَ بالشِّطْرنج حرامٌ، وإليه ميل الحليمي، واختاره القاضي الرويانيُّ، وإذا قلنا: بظاهر المذْهب، فلو اقترن به قمارٌ أو فُحْشٌ في الكلام أو إخراجُ صلاةٍ عن الوقْت عمداً، رُدَّت شهادتُه بتلك القرينة، وإنَّما يحْصُل القمار، إذا شُرِطَ المالُ من الجانِبَيْن، وكان كلُّ واحد منهما بَيْن أن يَغْلِبَ، فيغنَمَ أو يُغْلَبَ، فيغرم، أمَّا إذا أخرج أحدُهُما شيئاً؛ ليَبْذُلَه، إن غُلِبَ، ويمسكه، إن غَلب، لم يكن قِمَاراً، ولم تُرَدَّ به الشهادةُ، ولكن عقد مسابقةً فيما ليس من آلاتِ القتالِ، فلا يصحُّ، ولو لم يُخَرْجِ الصلاةَ عن الوقْت عَمْداً، ولكنْ شغَله اللَّعِب به، حتى خرج الوقْتُ، وهو غافلٌ، فإن لم يتكرَّر منه ذلك، لم تُرَدَّ شهادته، وإن كَثُر وتكرَّر، فسق ورُدَّت شهادتُه بخلاف ما إذا تَرَكَها مراراً ناسياً؛ لأنَّهُ شغَل نفْسَه هاهنا بما فات به الصَّلاة، هكذا ذكروه، وفيه إشكالٌ لما فيه من معصية الغافِلِ واللاهِي، ثم قياسُه الطَّرْدُ في شغْل النفس بسائر المباحات (٣)، وأشار القاضي الرويانيُّ إِلَى وجْهٍ أنه يفْسُقُ مطلقاً تكرَّر أو لم يتكرَّر، وفي "المهذب" اشتراطُ التَّكْرَار في إخراجها عن الوقْت، وإن كان ذلك مع العِلْم، وهو خلافُ ما قدَّمنا، أنَّ إخراج الفريضة عن الوقْتِ عمداً من الكبائر، وعبر الأستاذ أبو إسحاق الإِسفرايينيُّ عن سلامته عن القرائِنِ الفاسدةِ؛ بأن قال: وقد سُئِلَ عن اللَّعِب بالشطرنج إذا سلم المال عن الخسران، والصلاة عن النسيان، واللسان عن البهتان أرى ذلك أنسا بين الخلال وحكاه القاضي الروياني في جمع الجوامع ورأيته بخط والدي منسوباً إلى الصعلوكي. وأما النرد ففي اللعب به وجهان:

أحدهما: أنه كاللعب بالشطرنج لكن الكراهية فيه أشد وَيُحْكَى هذا عن ابن خيران وأبي إسحاق المَرْوَزِيِّ والإِسفرايينيِّ، وهو ظاهر إيراده في "الأم" واختاره القاضي أبو الطَّيِّب.


(١) رواه ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي من طريق ميسرة بن حبيب عنه، ورواه البيهقي وله طرق عنده وألفاظ مختلفة، وحمله الصولي في جزءه المشهور على أنه كان تماثيل.
(٢) رواه الشافعي وحكاه أيضاً عن محمد بن سيرين وهشام بن عروة.
(٣) وما استشكل به أجاب عنه الشافعي رضي الله عنه بأن في ذلك استخفافاً من حيث إنه عاد إلى ما علم أنه يورثه الغفلة. نقله الإسنوي.
وأما القياس المذكور فأجيب عنه بأن شغل النفس بالمباح يفجؤها ولا قدرة على دفعه بخلاف هنا وبأن ما شغلها به هنا مكروه وثم مباح.

<<  <  ج: ص:  >  >>