للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُقْبَلُ شهادته في الأفْعَال؛ فإنَّ الاعتماد فيها على البَصَر وحْدَه.

وقوله: "على زوجته التي يطأها" أشار به إلَى أن شهادته كما لا تُقْبَلُ على الأجانِبِ، لا تُقْبَلُ على زوجته الَّتي يجُوز له وطؤها؛ لما سبق، وعن القفَّال: أنَّ مالكاً سُئِلَ ببَخارَى على شهادة الأعمَى، وقصدوا التشنيع عليه، فقال: ما قولُكُمْ في أعمَى يطَأُ زوجته، وأقرَّتْ تحته بِدْرهَم، فشَهِدَ عليها، أتصدِّقونه في أنه عرَفَها؛ حتى استباح بُضْعَها؟ ويقولون: إنه لم يَعْرِفْها للإِقرار بدرهم، فانعكس التشْنِيعُ إلَى أنْ يحقق الأمر.

وقوله: "يُقْبَلُ في مسألة الضبط" معلم بالحاء، وكذا قوله: "بل يشهد أيضاً على معروف النسب" فإن عند أبي حنيفة لا تُقَبَلُ شهادةُ الأعمَى بحال وقوله: "بل يشهد على معروف النسب" أي لمعروف النسب، وإلا فيحتاج إلى الإشارة إلى المشهود له، وهو غير متمكّن منها والله أعلم.

قَالَ الغَزَالِيُّ: وَمَنْ لاَ يُعْرَفْ نَسَبُهُ فَلاَ بُدَّ مِنَ الشَّهَادَةِ عَلَى عَيْنِهِ، فَإنْ مَاتَ أُحْضِرَ مَجْلِسَ الحُكْمِ، فَإِنْ دُفِنَ فَلاَ يُنْبَشُ قَبْرُهُ وَقَدْ تَعَذَّرَتِ الشَّهَادَةُ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا شاهد فعْلَهُ من إنْسَان، أو شاهَدَهُ، وسَمِع منه قولاً، فإنْ كانَ يَعْرِفُه بعَيْنه واسمه ونَسَبه، فيشهد علَيْه عنْد حضوره بالإِشَارَة إلَيْه، وعند غيبته ومَوْته باسمه ونَسَبه، فإنْ كانَ يعْرِفه باسمِه واسْمِ أبيه دُونَ جدِّه، قال في "الوسيط" يُقْتَصَرُ عليْه في الشِّهَادة، فإن عرفه القاضي بذلك، جاز، وكان يجوز أن يُقَالَ: هذه شهادةٌ على مجْهُول؛ فلا يُعْتَدُّ بها كما ذكرنا في "باب القضاء على الغَائِب" أن القاضِيَ، لو لم يَكْتُبْ إلا أنِّي حكمْتُ عَلَى محمَّد بن أحمد، فالحكْمُ باطل.

وقد ذكر الشيخ أبو الفرج؛ أنه إذا لم يَعْرِف نسبه قدْرَ ما يحتاج إلى رفعه، لم يحلَّ له أن يشْهَد إلا بما عرف، لكن الشهادة، والحالةُ هذه لا تفيد، وقال الإِمام: لو لم يَعْرِفْه إلا باسمه، لم يتعرَّض لاسم أبيه، لكنَّ الشهادةَ علَى مجرَّد الاسم، قد لا تنفع في الغيبة.

وبالجملة فلا يَشْهد ولا يُجْزِئ على ما لا مَعْرفةَ له به، فلو سمع اثنين يَشْهدان، أن فلاناً وكَّل هذا الرجل ببيع دارِهِ، وأقرَّ الوكيلُ بالبيع، شهد على إِقْرَاره بالبيع، ولم يشْهَد على الوكالة، وكتب القفَّال مثله؛ أنَّه يَشْهَد علَى شهادة شاهدي الوكالة، وكأنهما كانا أشهداه على شهادتهما؛ ولو حَضَر عقْدَ نِكَاحٍ زعم الموجب أنَّه وليُّ المخطوبة، أو وكيلُ وليِّها، وهو لا يعرفه وكيلاً، أو ولياً، أو عَرَف الولاية، والوكالة، لكنْ لم يَعْرِفْ رضا المرأة، وهي ممَّن يُعْتَبَرُ رضاها، فلا يَشْهَد على أنَّها زوجته، ولكنْ يشهد أن فلاناً زَوَّجَ فلانةً من فلان، وقيل: فلان، فإن لم تُعْرَفِ المرأةُ بنَسبِها، لم يشهد

<<  <  ج: ص:  >  >>