للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة الثانية: الإعْسَارُ ليس مما يُشَاهَدُ، وَيعْسَرُ الاطِّلاَعُ عليه، فتبنى الشَّهَادَةُ فيه على القَرَائِنِ، ومُرَاقَبَةِ الشَّخْصِ في الخَلَوَاتِ، لِيُعْرَفَ صَبْرُهُ على الضُّرِّ والإضَافَةِ.

والمسألة بشرحها مَذْكورَةٌ في التَّفْلِيسِ ويُعْتَبَرْ فيمن يَشْهَدُ به، الخبرة الباطنة، كالشَّهَادَةِ على أن لا وَارِثَ لِفُلاَنٍ إلا فلان، بِخلاَفِ الشَّهَادَةِ على المِلْكِ؛ لأن الأَسْبَابَ المُفِيدَةَ لِلظَّنِّ هاهنا خَفِيَّةٌ، يَخْتَصُّ بها من مُخَالَطَةِ الرجل، ومُجَالَسَتِهِ، وأَسْبَابُ المِلْكِ ظَاهِرَةٌ، لا يَخْتَصُّ فيها المُخَالِطُونَ.

فروع:

أحدها: حكى القاضي أبو سعد الهَرَويُّ وجْهاً استغربه (١) في الدَّيْنِ: أنه تجوز الشَّهَادَةُ به بالسَّمَاعِ، والاسْتِفَاضَة كالعين (٢) ولابن الصَّبَّاغِ إِلْمَامٌ بما ذَكَرَهُ.

الثاني: في قَبُولِ شَهَادَةِ الأعْمَى، فيما تَجُوز الشَّهَادَةُ فيه بالاسْتِفَاضَةِ والسَّمَاعِ وجهان مَنْقُولاَنِ في "جمع الجوامع".

أحدهما: وبه قال ابن سُرَيْجٍ: أنها تُقْبَلُ؛ لأن الاعْتِمَادَ فيه على السَّمَاعِ، وهو في السَّمَاعِ كالبَصِيرِ.

والثاني: المَنْعُ، لأنه لاَ بُدَّ من مُشَاهَدَةِ المُخْبِرِينَ، ومعرفة أحوَالِهِمْ، ليحصل العِلْمُ. وهذا أَصَحُّ عند القاضي، والأول هو جَوَابُ معظم الأَصْحَاب؛ إلا أن شَهَادَتَهُ، إنما تُقْبَلُ، إذا لم يحتج إلى تعْيِين، وإشَارَةٍ, بأن يكون الرجل مَعْرْوفاً باسْمِهِ، ونَسَبِهِ الأَدْنَى. ويَحْتَاجُ إلى إثباتِ (٣) نَسَبهِ الأَعْلَى؛ ككونه هَاشِمِيّاً، أو عَلَوِيّاً، فيشهد الأَعْمَى بِنَسَبِهِ الأعْلَى.

وصور أيضاً في النَّسَبِ الأدنى، بأن يَصِفَ الشَّخْصَ، فيقول: الرجل الذي اسْمُهُ كذا، وكُنْيَتُهُ كذا، وسُوقُهُ، ومُصَلاَّهُ، ومَسْكَنُهُ، وكذا [بأنه] (٤) فلان ابن فلان، ثم يقيم (٥) الرجل بَيِّنَةً أُخْرَى، على أنه الذي اسْمُهُ كذا، وكُنْيَتُهُ كذا، إلى آخر الصِّفَاتِ.

وصورته في المِلكِ، أن يَشْهَدَ الأَعْمَى في دارمَعْرُوفَةٍ، أنها لفلان ابن فلان.

ويمكن أن يُقَالَ: الوجه الذَّاهِبُ إلى أن شَهَادَتَهُ لا تُقبَلُ، مَخْصُوصٌ بما إذا كان


=الثاني: أن منعه الاكتفاء بالمدة الواحدة هو خلاف قضية كلام الذخائر ويظهر أن ذكر المدة لا مفهوم له بل والمدتين كذلك ولا سيما مع قرب زمان الثاني من الأول.
(١) في أ: أَشْعَرَ به.
(٢) في ز: كالعبد.
(٣) في ز: إتيان.
(٤) سقط في: ز.
(٥) في ز: يضم.

<<  <  ج: ص:  >  >>