للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّمَاعُ من عَدَدٍ لا يُؤْمَنُ تَوَاطُؤُهُمْ، كشخصين، وثلاثة، فأما إذا حَصَلَ السَّمَاعُ من جَمْعٍ كَثِيرِ، فلا حَاجَةَ فيه إلى المُشَاهَدَةِ، ومَعْرِفَةِ حال المُخْبِرِينَ.

الثالث: ما يجوز الشَّهَادَةُ به اعْتِمَاداً على السَّمَاع، والاسْتِفَاضَةِ، يجوز الحَلِفُ به اعْتِمَاداً عليهما وبل أولى لما مر، أنه يجوز الحَلِفُ اعْتِمَاداً على خَطِّ الأَبِ، ولا تجوز الشَّهادَةُ (١).

قَالَ الْغَزَالِيُّ: الفَصْلُ الثَّالِثُ فِي التَّحَمُّل وَالأَدَاءِ وَيَجِب الأَدَاءُ عَلَى كُلِّ مُتَعَيِّنٍ لِلشَّهَادَةِ مُتَحَمِّلٍ لَهَا إِذَا دُعِيَ مِنْ دُونِ مَسَافَةِ العَدْوَى، فَإِنْ دُعِيَ مِنْ فَوقِهَا وَدُونَ مَسَافَةِ القَصْرِ أَو لَمْ يَكُنْ مُتَعَيِّنَاً أو لَمْ يَتَحَمَّلْ قَصْداً لَكِنْ وَقَعَ بَصَرَهُ فَفِي الوُجُوبِ وَجْهَانِ، ولوْ تَعَيَّنَا فَامْتَنَعَ أحَدُهُمَا وَقَالَ: أَحْلِفُ مَعَ الآَخَرِ أَثِمَ، وَلَوْ لَمْ يَتَعَيَّنْ وَامْتَنَعَ جَمِيعُهُمْ أَثِمُوا.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: الكلام في بيان (٢) أحكام الشَّهَادَةِ آخراً، وتَحَمُّلِهَا أَوَّلاً. أما الأَدَاءُ، فهو وَاجِبٌ في الجُملَةِ، والكتمان ممنوع منه -قال الله تعالى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة: ٢٨٣].

وذكر صاحب الكتاب لِضَبطِ مَوْضِعِ الوجوب قُيُوداً، فقال: "ويجب الأَدَاءُ على كل مُتَعَيَّنِ للشَّهَادَةِ، مُتَحَمِّلٍ لها، إذا دُعِيَ من دون مَسَافَةِ العدوى".

أحدها: التعين، فإن لم يكن في الوَاقِعَةِ إلا شَاهِدَانِ؛ بأن لم يَتَحَمَّلْ سِوَاهُمَا، أو مات البَاقُونَ، أو جُنُّوا، أو غَابُوا، فيجب عليهما الأدَاءُ، ومن أبى عَصَى.

ولو شهد أحَدُهُمَا، وامْتَنَعَ الآخَرُ، وقال: أَحْلِفُ مع الذي شَهِدَ، فهو عَاصٍ أيضاً، فإن من مَقَاصِدِ الإِشْهَادِ، التَّوَرُّعُ عن اليَمِينِ.

قال الإِمام: وكذا الشَّاهِدَانِ على رَدَّ الوَدِيعَةِ؛ إذا امْتَنَعَا، وقالا للمودع: احْلِفْ على الرَّدِّ. ولو لم يكن في الوَاقِعَةِ إلا شَاهِدٌ واحد، فإن كان الحَقُّ مما يَثْبُتُ بشاهد، وَيمِينٍ، فعليه الأَدَاءُ، وإلا، لم يجب؛ لأن المَقْصُودَ لا يَحْصُلُ به.

وحكى القاضي ابْنُ كَجٍّ وَجْهاً آخر: أنه يجب؛ لأنَّهَا أَمَانَةٌ لَزِمَتْهُ، والمُدَّعِي يَنْتَفِعُ بأدائها في انْدِفَاعِ بعض تُهْمَةِ الكَذِبِ، وإن لم يَنْتَفِعْ في ثُبُوتِ الحَقِّ، وإن كان في


(١) قوله: "اعتماداً على الاستفاضة جواز الحلف فيما يعتمد الشهادة" فيه اليقين من باب أولى، ولهذا ذكر الروياني في الفروق والجرجاني في المعاياة أَن كُلَّ ما جَاز للإنسان أن يشهد به جاز له أن يحلف عليه ولا ينعكس، واستدلاله بأن باب اليمين أوسع أن يحلف الفاسق والعبد ومن لا يقبل شهادته ثم لا يشهدون.
(٢) في ز: شأن.

<<  <  ج: ص:  >  >>