للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُرٌّ، كما في الجَارِيةِ، وبه يَثْبُتُ الاسْتِيلاَدُ، فهذا اخْتَصَّ بالجارية على صِفَةِ أُمِّيَّةِ الولد تَعَدَّى الاخْتِصَاصُ إلى الوَلَدِ، هكذا وَجَّهُوهُ.

وعلى هذا، فَيُنْتَزَعُ الوَلَدُ، ويكون حُرّاً نِسْبِياً بإقرار المدعي.

والثاني: المنع؛ لأنه لا يَدَّعِي مِلْكَ الوَلَدِ، وإنما يَدَّعِي نَسَبَهُ، وحُرَّيَّتَهُ، وهما لا يثبتان (١) بهذه الحُجَّةِ، فعلى هذا؛ يبقى الوَلَدُ في يد صَاحِبِ اليد. وهل يثبت نَسَبُهُ بإقرار المُدَّعِي؟ فيه ما ذكرناه في الإقرار، واللقيط في اسْتِلْحَاقِ عَبْدِ الغير.

واختار المُزَنِيُّ من القولين الأوَّلَ، واحْتَجَّ بأن الشافعي -رضي الله عنه- نَصَّ فيما لو كان في يَدِ رجل عَبْدٌ بزعمه، يَسْتَرِقُّهُ، فجاء آخر، وَادَّعَى أنه كان له، وأنه أَعْتَقَهُ، وصاحب اليد ظَالِمٌ باسْتِرْقَاقِهِ، وأقام عليه شَاهِداً وَاحِداً، وحَلَفَ مَعَهُ، أو رجلاً وامرأتين، أنه يُنْتَزَعُ من يَدِ صَاحِبِ اليد، ويُحْكَمُ بأنه عتيق على المُدَّعِي، بإقْرَارِهِ.

وموجب قَوْلِ المُدَّعِي هاهنا الحُرِّيَّةُ، كما أن موجب قوله هناك حُرِّيَّةُ الوَلَدِ، وكما انْتَزَعَ المُدَّعِي، وقَضَى بكونه مَوْلى له، وجب أن يُنْتَزَعَ الولد، ويُقْضَى بكونه ابناً له.

وللأصحاب في صُورَةِ الاحْتِجَاجِ طريقان:

أحدهما: أن فيها قولين أيضاً:

أحدهما: أنه لا يُنْتَزَعُ، ولا تُقْبَل بَيِّنَةٌ؛ لأنه يَشْهَدُ بملْكٍ مُتَقَدِّمٍ، فصار كما إذا ادَّعَى مُدَّع مِلْكاً في الحَالِ، وشهد شُهُودُهُ بأنه كان مِلْكاً لَه من قَبْلُ. والثاني: يُنْتَزَعُ، وتُقْبَلُ بَيِّنتُهُ؛ لأنها مُوَافِقَةٌ للدَّعْوَى، بخلاف ما إذا ادَّعَى المِلْكَ في الحَالِ، وشهد الشُّهُودُ بالمِلْكِ المتقدم، وعلى هذا فنحكم بحريته بإقراره. فمن قال بهذه الطَّرِيقَةِ، قال: أجاب الشافعي -رضي الله عنه- على أَحَدِ القولين فلا احْتِجَاجَ.

والثاني: القَطْعُ (٢) بالقَبُولِ، والانْتِزَاعِ، وبه قال أبو إسْحَاقَ، وفَرَّقَ الصَّائِرُونَ إليه بين هذه الصورة، وصورة المُسْتَوْلَدَةِ، بأن المُدَّعِي يدعي هاهنا مِلْكاً مُتَقَدِّماً في العَبْدِ، وحُجَّتُهُ تَصْلُحُ لإِثْبَاتِ المِلْكِ، وإذا ثبت المِلْكُ، تَرَتَّبَ العِتْقُ عليه بإقراره. وفي صورة الاسْتِيلاَدِ، إنما قُدِّمَتِ الحُجَّةُ على مِلْكِ الأُمِّ، لا جَرَمَ أَثْبَتْنَاهُ وَرَتَّبْنَا عليه العِتْقَ، إذا جاء وَقْتُهُ بإقْرَارِهِ.

وأما الولد، فقضية الدَّعْوَى في الحُجَّةِ كونه حُرّ الأَصْلِ نِسبياً، والحرية والنَّسَبُ لا يثبتان بهذه الحُجَّةِ، فلذلك افْتَرَقَا.


(١) في ز: ينسبان.
(٢) رجح النووي في روضته طريقة القطع وقال في الكفاية: إن الجمهور على القطع.

<<  <  ج: ص:  >  >>