للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو ادَّعى وَرَثَةُ مَيِّتٍ على رجل؛ أنه غَصَبَ هذه الدَّارَ، وقالوا: كانت لأَبِينَا، وَقَفَهَا علينا، وعلى فلان، فَدَعْوَى الغَصْبِ، تَثْبُتُ بِشَاهِدٍ ويمين، [وتثبت أيضاً بهما -إن أَثْبَتَا- الوَقْفَ، بشاهد ويمين،] (١) وإلا، فيثبت بإقرار الوَرَثَةِ، كما ذكرنا، فيما إذا ادعى على رَجُلٍ أن هذا الذي يَسْتَرِقُّهُ كان عبدي، غَصَبَهُ بعدما أَعْتَقْتُهُ، أو أن هذه الجَارَيةَ أُمُّ ولدي، إذا عُرِفَ ذلك، فلو ادَّعَى ثَلاثَةُ بَنِينَ من وَرَثَةِ مَيِّتٍ؛ أن أَبَاهُمْ وَقَفَ عليهم هذه الدَّارَ، وأنكر سَائِرُ الوَرَثَةِ، وأقاموا شَاهِداً وَاحِداً، لِيَضُمُّوا إليه اليَمِينَ، تَفْرِيعاً على ثبُوتِ الوَقْفِ بالشاهد واليمين، فالوَقْفُ المُدَّعَى يُصَوَّرُ على وجهين:

أحدهما: أن يَدَّعوْا وَقْفَ التَّرْتِيب؛ فيقولوا: وَقَفَ علينا، وبعدنا على أولادنا، أو على الفُقَرَاءِ، فلهم بعد إِقَامَةِ الشَّهَادَةِ، أَحْوَالٌ ثلاث؛ لأنهم إما أن يَحْلِفُوا جميعاً، أو يَنْكُلُوا، أو يَحْلِفَ بعضهم، وَيَنْكُلَ بَعْضٌ.

الحالة الأولى: أن يحلفوا جَمِيعاً؛ فيثبت لهم الوَقْفُ، ولا حَقَّ لِسَائِرِ الوَرَثَةِ في الدَّارِ.

ثم إذا انْقَرَضَ المُدَّعُونَ؛ إما معاً، أو على التَّعَاقُب، فالبَطْنُ الثاني يأخذون الدَّارَ وَقْفاً بغير يَمِينٍ، أم يَأْخُذُونَهَا باليمين؟ فيه وجهان، ويُقَالُ: قولان: وهما على ما ذكر القَفَّالُ، وطرائف الأَصْحَاب، ينبنيان (٢) على أن البَطْنَ الثاني يأخذون الحَقَّ من البَطْنِ الأول، [أو من الواقف، إن قلنا: من البَطْنِ الأَوَّلِ] (٣)، فلا حَاجَةَ إلى اليَمِينِ، كما إذا أثبت للوارث مِلْكاً بالشَّاهِدِ واليمين، ثم مات، يأخذه وَارِثُهُ بغير يمين؟

وإن قلنا: من الواقف، لم يَأْخُذُوا إلا باليَمِين، كالبَطْنِ الأَوَّلِ. وبه قال ابن سُرَيْجٍ، وقضية هذا البِنَاءِ. أن يكون الأَصَحّ، أنهم يَأْخُذُونَ باليَمِينِ؛ لأن الأصَحَّ، أنهم يَتَلَقَّونَ من الواقف. وسنذكر فيما بعد هذا الفَصْلِ ما يُؤيِّدُهُ، لكن الشيخ أبا حَامِدٍ، وطَبَقَتَهُ، [والقاضيين أبا] (٤) الطَّيِّب، والروياني -وغيرهم -رحمهم الله- اسْتِغْنَاؤُهُمْ عن اليَمِينِ، وهو ظَاهِر نَصِّهِ في "المختصر"، وبه قال أبو إسْحَاقَ، وجّهُوهُ، بأنه قد يثبت كَونُهُ وقْفاً؛ بِحُجَّةِ يثبت بها الوَقْفُ، فَيُدَامُ، كما لو ثبت بالشَّاهِدَيْنِ، وبه حق يثبت لمستحق، فلا يفتقر المُسْتَحِقُّ بَعْدَه، إلى اليَمِينِ، كما لو كان المُدَّعَى مِلْكاً، وبأن البَطْنَ الثاني، وإن كانوا يَأْخُذُونَ عن الواقف خلفاً عن المستحقين، أَوَّلاً، فلا يَحْتَاجُونَ إلى اليمين، كما إذا أَثبَتَ الوَاثُ مِلْكاً للميت بشاهد، ويمين، وللميت غَريمٌ، فإن له أن يَأْخُذَهُ من غير يَمِينٍ، فإذا انتهى الاسْتِحْقَاقُ إلى البَطْنِ الثالث، والرابع، عاد هذا الخِلاَفُ.


(١) سقط في: أ.
(٢) في ز: مبنيات.
(٣) سقط في: أ.
(٤) في ز: والقضيان أبو.

<<  <  ج: ص:  >  >>