للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا ادَّعَى عليه أن بَهِيمَتَهُ أَتْلَفَتْ زَرْعاً، وغيره، بحيث يَجِبُ الضَّمَانُ بإتْلاَفِ البَهِيمَةِ، فأنكر، يَحْلِفُ على البَتِّ؛ لأنه لا ذِمَّةَ لها والمالك لا يَضْمَنُ بفعل البَهِيمَةِ، وإنما يَضْمَنُ بالتَّقْصِير في حِفْظِهَا. وهذا أَمْرٌ يتعلق بنفس الحَالِفِ، ولو نَصَبَ البائع وَكِيلاً ليقبض (١) الثمن، ويسلم (٢) المبيع، فقال له المشتري: إن مُوَكِّلَكَ أَذِنَ في تَسْلِيمِ المَبِيعِ، وأَبْطَلَ حَقَّ الحَبْسِ، وأنت تعلم، فقولان عن حكاية ابن القَاصِّ:

أحدهما: أنَّه يَحْلِفُ على نَفْي العلم، ويُدِيمُ الحَبْسَ إلى اسْتيفَاءِ الثَّمَنِ.

والثاني: وهو اخْتِيَارُ أبي زَيْدٍ: أنَّه يَحْلِفُ على البَتِّ؛ لأنه يثبت لنفسه اسْتِحْقَاقَ اليَدِ على المبيع.

وعن ابْنِ القَاصِّ: أنَّه إذا طُولِبَ البَائِعُ بتسليم المَبِيع، فادعى حُدُوثَ عَجْزٍ عنه، وقال المُشْتَرِي: أنت (٣) عالم به، فأنكر، يَحْلِفُ على الَبَتِّ؛ لأنه يستفيد (٤) بيمينه وُجُوبَ تَسْلِيم المَبِيع إليه، وأنه لو مات عن ابنٍ في الظَّاهِرِ، فجاء آخر وقال: أنا أَخُوكَ، والمِيرَاثُ بَيْنَنَا، فأنكر، يَحْلِفُ على البَتِّ أيضاً؛ لأن الأخُوَّةَ رَابِطَةٌ جَامِعَةٌ بينهما، فهو حَالِفٌ في نفسه، ونَازَعَهُ منازعون في الصُّورَتَيْنِ، وقالوا: يَحْلِفُ على العلم (٥) والله أعلم.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: ثُمَّ يَحِلّ لَهُ اليَمِينُ البَتُّ بِظَنٍّ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ خَطٍّ أَوْ قَرِينَةِ حَالٍ مِنْ نُكُولِ خَصْمٍ وَغَيْرِهِ، وَيُنْظَرُ فِي اليَمِينِ إلَى نِيَّةِ القَاضِي وَعَقِيدَتِهِ فَلاَ يَصِحُّ تَوْرِيَةُ الحَالِفِ وَلاَ قَوْلُهُ: إِنْ شَاءَ الله بِحَيْثُ لاَ يَسْمَعُ القَاضِي، وَلاَ يَحِلُّ لِلشَّفْعَويِّ أن يَحْلِفَ عِنْدَ القَاضِي الحَنَفِيِّ عَلَى نَفي اللُّزُومِ في شُفْعَةِ الجَارِ بِتَأْوِيلِ اعْتِقَادِ نَفْسِهِ بَلْ إِذَا أَلْزَمَهُ القَاضِي صارَ لاَزِمَاً ظَاهِرَاً وَعَلَيْهِ أَنْ يَحْلِف، وَهَلْ يَلزَمُهُ بَاطِناً؟ فِيهِ خِلاَفٌ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ مُجْتَهِدَاً لَمْ يَلْزَمْهُ، وَإِنْ كَانَ مُقَلِّداً يَلْزَمُهُ بَاطِناً.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: فيه مَسْأَلَتَانِ:

إحداهما: ما يحلف فيه على البَتِّ، لا يُشْتَرَطُ فيه اليَقِينُ، بل يجوز البَتُّ على ظَنٍّ مؤكد، [منشأ] (٦) من خطِّهِ، أو من خطِّ أبيه، أو نُكُولِ خَصْمِهِ على ما سبق.

ولو اسْتَحْلَفَ القَاضِي على البَتِّ، حيث تجب فيه اليَمِينُ على العِلْمِ، وقد عَدَلَ عن نَهْجِ الصَّوَابِ، والعَدْلِ، إلا أن اليَمِينَ يُحْسَبُ، وتُحْمَلُ على نَفْي العلم، كما إذا


(١) في أ: لقبض.
(٢) في أ: وتسلم.
(٣) في ز: إنه.
(٤) في ز: يستقي.
(٥) قال النووي: نفي العلم هو الصحيح.
(٦) سقط في: ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>