للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله في الكتاب: (وجب القضاء على أظهر القولين) ليس المراد منه استفتاح الوجوب، وإنما المراد استمراره على ما بَيَّنَّا، ويجري القولان فيما لو اقتدى خُنْثَى بامرأة، ولم يَقْضِ الصلاة حتى بَانَ كونُه امرْأة، وفيما إذا اقتدى خنثى بخنثى، ولم يقض المأموم حق بَانَا رجلين أو امرأتين، أو بَانَ كون الإمام رجلاً (١) أو كون المأموم امرأة، وذكر الأئمة لهذه الصور نظائر.

منها: لو باع مال أبيه على ظن أنه حي، فبَانَ أنه كان ميتاً، ففي صحة البيع قولان (٢).

ومنها: لو وكل وكيلاً بشراء شيء، وباع ذلك الشيء من إنسان على ظن أنه ما اشتراه وكيله بعد، وكان قد اشتراه ففي صحة البيع قولان.

ومن مسائل الفصل: ما لو اقتدى برجل ظنه متطهراً، ثم بَانَ بعد ما صلى أنه كان جنبًا، أو محدثاً، فلا قضاء عليه خلافاً لأبي حنيفة، حيث قال: يجب، ولمالك وأحمد حيث قالا: إن كان الإمام عالماً بحدثه وأَمَّ مع ذلك وجب على المأموم القضاء، وإن لم يكن عالماً لم يجب، وحكى صاحب "التلخيص" مثل ذلك قولاً للشافعي -رضي الله عنه- منصوصاً.

لنا: ما رويِ أنه -صلى الله عليه وسلم-: "دَخَلَ فِي صَلاَتِهِ، وَأَحْرَمَ النَّاسُ خَلْفَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ أنَّهُ جُنُبٌ فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ كَمَا أنْتُمُ، ثُمَّ خَرَجَ، واغْتَسَلَ، وَرَجَعَ وَرَأْسُهُ يَقْطُر مَاءٌ" (٣) وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْإِعَادَةِ.

وروي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا صَلَّى الإمَامُ بِقَوْمٍ، وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَجْزَأَتْهُمْ وَيُعِيدُ هُوَ" (٤).


(١) ولا فرق في ذلك بين أن يظهر الحال بعد الصلاة أو وقتها وصور الماوردي وغيره المسألة فيمن لم يعلم حالة ثم علم بعد الصلاة خنوثته ثم بان رجلاً، وعبارة الماوردي لو أئتم رجل بخنثى وهو يعلم بحالة حتى فرغ ثم علم فعليه الإعادة فلو لم يعد حتى بان رجلاً أعاد من الأصح لأنه لو ائتم به عالماً بالخنوثة فلم يعد حق بأن رجلاً لم تسقط الإعادة فكذا إذا علم بحاله بعد فراغه وخرج فيها قولاً أنه لا إعادة فما لو ظنوا سواء أعدوا. وهذا يقتضي أن الخلاف فيما إذا لم يعلم بخنوثته إلا بعد الفراغ ثم علم بذكورته وأنه إذا كان عالماً بخنوثته فلا خلاف في وجوب الإعادة وهو مشكل أيضاً من جهة أنه كيف يجوز له أن يتمادى في الصلاة بعد علمه وكيف تنقعد وهو عالم على أنهما أطلقا حكاية الخلاف ولعله محمول على ما إذا علم بخنوثته وجهل بطلان الاقتداء به.
(٢) وهذه تدور تحت قاعدة، لا عبرة بالظن البين خطوة.
(٣) أخرجه الدارقطني (١/ ٣٦١، ٣٦٢) ومن طريق آخر عند أبي داود (٢٣٣) وابن حبان، ذكره الهيثمي في الموارد (٣٧٢).
(٤) أخرجه الدارقطني (١/ ٢٦٣) من رواية البراء بن عازب، والبيهقي (٢/ ٤٤٠) وقال: غير قوي وقال ابن الجوزي: لا يصح.

<<  <  ج: ص:  >  >>