للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: يتوضأ به من غير تحر.

والثاني: لا يتوضأ به أصلاً، بل يتيمم. وقوله: إلا بالاجتهاد وطلب علامة تغلب ظن الطهارة ليس به إلا الإيضاح، ولو اقتصر على قوله لم يجز أخذ أحد الإنائين إلا بالاجتهاد. أو قال: إلاَّ بطلب علامة لحصل به الغرض.

قال الغزالي: فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ نَجَاسَةُ أَحَدِ الإِنَاءَيْنِ بِكَوْنِهِ مِنْ مِيَاهِ مُدْمِنِي الخَمْرِ وَالكُفَّارِ المُتَدَيّنينَ بِاسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ فَهُوَ كَاسْتِيقَانِ النَّجَاسَةِ عَلَى أَحَدِ القَوْلَينِ وَعَلَيْهِ تَمْتَنِعُ الصَّلاةُ فِي المَقَابِرِ المَنْبُوشَةِ وَمَعَ طِينِ الشَّوَارعِ وَكُلِّ مَا الغَالِبُ نَجَاسَتُة.

قال الرافعي: الشيء الذي لم يتيقن نجاسته، ولكن الغالب في مثله النجاسة يستصحب طهارته، أم يؤخذ بنجاسته، قولان:

أحدهما: يستصحب طهارته تمسكاً بالأصل المتيقن إلى أن يزول بيقين بعده كما في الإحداث.

والثاني: يؤخذ [بنجاسته] (١) عملاً بالظنِّ المستفاد من الغلبة بخلاف الإحداث، فإن عروضها كثر فخفف الأمر فيها بطرح الظن كالشك، ويشهد هذان القولان لقولي تعارض الأصل والظاهز (٢)، وللمسألة نظائر كثيرة منها ثياب مدمني الخمر وَأَوَانِيهِمْ، وثياب القَصَّابِينَ (٣)، والصبيان الذين لا احتراز لهم عن النجاسات وطين الشوارع، حيث لا تتيقن نجاسته، والمقابر المَنْبُوشَة، حيث لا تتيقن النجاسة، ومنها أواني الكفار الذين يتدينون باستعمال النجاسات كالمجوس، يغتسلون بِبَوْلِ البَقَرِ، ويتقربون بذلك، ولا يلحق بهم الكفار الذين لا يتدينون باستعمالها، كاليهود والنصارى، نعم المنهمكون منهم في الخمر والتلوث بالخنزير. يجري في ثيابهم وأوانيهم القولان لا محالة كمدمني الخمر من المسلمين، وربما أطلقوا نقل القولين فيما إذا غلب على الظن النجاسة ولم يستيقن، ولكن له ما شرط، وهو أن تكون غلبه الظن مستندة إلى أن الغالب في مثله النجاسة، أما لو كان سبب الظن غير ذلك لم يلزم طرد القولين، حتى لو رأى ظَبْيَةً تبول في ماء كثير، وكان بعيداً عن الماء، فانتهى إليه ووجده متغيراً، وشك في أن تغيره بالبول، أم بغيره فهو نجس، نص عليه الشافعي -رضي الله عنه- وأصحابه -رضوان الله


(١) سقط في ط.
(٢) ويعبر الأصحاب تارة بالأصل والظاهر، وتارة بالأصل والغالب وفهم بعضهم التغاير وأن المراد بالغالب ما يغلب على الظن من غير مشاهدة، قال ابن السبكي في الأشباه والنظائر ١/ ١٤ بتحقيقنا، فإن عارض الأصل ظاهر فقيل قولان دائماً وقيل: غالباً، وقيل: أصحهما اعتماد الأصل دائماً، وقيل: غالب والتحقيق الأخذ بأقوى الظنين.
(٣) وهي حرفة معلومة انظر المعجم الوسيط ٢/ ٧٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>