للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمعنى فيه صِيَانَةُ حَقِّ العَبْدِ عن الفَوَاتِ، كما يصان حقوق الغُرَمَاءِ، وأيضاً فإن الرِّدَّةَ تُؤَثِّرُ في العقود المستقبلة دون الماضية؛ ألا ترى أن الرِّدَّةَ بعد البيع والرَّهْنِ والهبة لا تُبْطِلُهَا، ونَظْمُ الكتاب يقتضي تَرْجِيحَ هذا الطريق.

وكذلك ذكر القاضي ابْنُ كَجٍّ، والعراقيون من الأَصْحَابِ -رحمهم الله-.

والثاني: فيه قال أبو الطَّيِّبِ بن سلمة: إنه يُبْنَى على أقوال المِلْكِ، إن قلنا ببقاء (١) مِلْكه، فالتدبير بِحَالِهِ. وإن قلنا بزواله بطل التدبير، فلا يعتقُ العَبْدُ إذا هلك السَّيِّدُ على الرِّدَّةِ. وإن قلنا: إنه موقوف، فَيَتَوَقَّفُ في بناء التَّدْبِيرِ أيضاً.

والثالث: القَطْعُ بِبُطْلاَنِهِ؛ لأنه لو بقي لعتق العَبْد بموته مُرْتَدّاً وعتق المدبر ينفذ من الثلث، وما ينفذ من الثلث يشترط بَقَاءُ الثُّلُثَيْنِ فيه للورثة، ومَالُ المُرْتَدِّ لا يصرف [إلى الورثة] (٢)، بل هو فَيْءٌ، وهذا ضعيف، والقَوْلُ بان ما ينفذ من الثلث يشترط فيه بَقَاءُ الثلثين للورثة -مَمْنُوعٌ، بل الشرط سَلاَمَةُ الثلثين للمُسْتَحِقِّينَ، وهم الورثة تَارَةً، وغَيْرُهُمْ أخرى. ومن قال بالطريقة الثالثة: أَبْطَلَ الوَصَايَا بالرِّدَّةِ أيضاً.

التفريع: إن قلنا بِبُطْلاَنِ التدبير، فلو عاد المرتد إلى الإِسْلاَمِ عاد ملكه، وهل يعود التَّدْبِيرُ؟ فيه طريقان:

أحدهما: نعم؛ لأن زوال مِلْكِهِ لم يكن بزوال إثبات، فإذا عاد مكانه. لم يزل، وهذا كما أن العَصِيرَ المَرْهُونَ إذا تَخَمَّرَ يزول المِلْكُ والرَّهْنِ فيه، وإذا عاد خَلاًّ يعودان.

والثاني: أنه على قَوْلَيْ عَوْدِ الحِنْثِ، وهو بمَثَابَةِ ما لو باع المُدَبَّرُ، ثم عاد إلى مِلْكِهِ، وهذا ما أورده في "التهذيب"، والأول أَشْبَهُ، ونَظْمُ الكتاب يقتضي تَرْجِيحَهُ.

وإن قلنا ببقاء التدبير عُتِقَ المُدَبَّرُ من الثلث، وجعل الثلثان فيئاً.

وفي "الكافي" ذِكْرُ وجه: أن جميعه يُعْتَقُ، وإن (٣) رعاية الثلث والثلثين تَخْتَصُّ بالمِيرَاثِ، ويقال: إنه اختيار صَاحِبُ "الحاوي".

ويجوز أن يعلم لهذا قوله في الكتاب: "من الثلث" بالواو.

ولو ارْتَدَّ المُدَبَّرُ قيل: كالقِنِّ، ولكن لا يبطل التدبير، كما لا يبطل حَقُّ عِتْقِ المُسْتَوْلَدَةِ والمُكَاتَب بالرِّدَّةِ، فلو مات السَّيِّدُ قبل قَتْلِهِ عتق، ولوْ الْتَحَقَ المرتد بدار الحَرْب فَسُبِيَ، فهو على تَدْبِيرِهِ، ولا يجوز استِرْقَاقُهُ؛ لأنه إن كان السيد حَيّاً فهو له، وإن مَاَتَ فَولاَؤُهُ له، فلا يجوز إِبْطَالُهُ.


(١) في أ: يبقى.
(٢) سقط في: أ.
(٣) في أ: فإن.

<<  <  ج: ص:  >  >>