للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَكلُّ ذَلِكَ إِنْ جَرَى بِإِذْنِ السَّيِّدِ فَفِي النفُوذِ قَوْلاَنِ، إِلاَّ العِتْقَ فَفِيهِ طَرِيقَانِ: (أَحَدُهُمَا): طَرْدُ القَوْلَيْنِ (وَالثَّانِي): القَطْعُ بِالمَنْعِ لإشْكَالِ الوَلاَءِ، فَإِنْ نَفَّذْنَا فَفِي الوَلاَءِ قَوْلاَنِ: (أَحَدُهُمَا): أنَّهُ لِلسَّيِّدِ (وَالثَّانِي): أنَّهُ موْقُوفٌ حَتَّى يُعْتِقَ المُكَاتَبَ يَوْمَاً فَيَكُونَ لَهُ، فَإِنْ مَاتَ رَقِيقاً اسْتَقرَّ عَلَى السَّيِّدِ، وَلَوْ مَاتَ العَتِيقُ فِي مُدَّةِ التَّوَقُّفِ فَمِيرَاثهُ لِلسَّيِّدِ فِي قَوْلٍ، وَلبَيْتِ المَالِ في قَوْلٍ، وَكِتَابَةُ عَبْدِهِ كَإِعْتَاقِهِ فِي النُّفُوذِ وَفِي الوَلاَءِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: تَبَرُّعَاتُ المُكَاتَبِ وَتَصَرُّفَاتُهُ المُحْظَرَةِ كالهِبَةِ، والإبْرَاءِ، والإِقْرَاضِ، والقِرَاضِ، والإِنْفَاقِ على الأَقَارِبِ، والبيع بالمُحَابَاةِ، وبالنسيئة وتعجيل الدَّيْنِ المُؤجَّلِ ونحوها، إن جرت بإِذْنِ السيد؛ فمنقول (١) المزني، والمنصوص في "الأم" أنها تَصِحُّ.

وعن الرَّبِيع فيه قَوْلٌ آخر؛ ونَصَّ على أن المكَاتَبَةَ إذا اخْتَلَعَت بِإِذْنِ السَّيِّدِ على مال لم يَجُزْ، والخلْعُ كالهِبَةِ، في أنه بَذْلُ مَالٍ من غير عِوَضٍ مَاليٍّ.

واختلف الأَصْحَابُ على طريقين: قال أكثرهم -منهم ابن سُرَيْج، وابن خَيْرَانَ، وأبو إِسْحَاقَ- في جميع هذه التَّصَرّفَاتِ قولان إِما لما رَوَاهُ الربيع، وإما للنَّصَّيْنِ في الهِبَةِ، والتَّصَرُّف فيهما بالنقل والتخريج. ومنهم من نَقَلَ المَنْعَ عن نَصِّهِ في "الإملاء":

أحدهما: أنها غير صَحِيحَةٍ؛ لأن مِلْكَ المُكَاتَبِ نَاقصٌ، والسَّيِّدُ غَيْرُ مالك لما في يَدَيْهِ، فلا أَثَرَ لإِجَازَتِهِ، كما لو وَهَبَ المَرِيضُ جَمِيعَ مَالِهِ، وأجاز الوَارِثُ، وأيضاً فإنه يفوت غَرَضُ العَتْقِ.

وأصحهما: الصحة؛ لأن الحَقَّ لا يَعْدُوهُمَا، فإذا تَوَافَقَا عليه صَحَّ؛ كما لو وَهَبَ أَحَدُ الشريكين بِإِذْنِ الآخر.

والثاني: تقرير النَّصَّيْنِ، والقطع بِصِحَّةِ هذه التَّصَرّفَاتِ، ويبطلان الخلع وقد ذكرنا الطريقين في "الخُلْعِ" في كتابه.

وعن أبي الطيب بن سلمة طَرِيقَةٌ قَاطِعَةٌ بصحة الخُلْعِ أَيْضاً.

فإن وهب من السيد أو من ابنه الصَّغِيرِ، فقبل أو أقْرَضَهُ، أو باعه نَسِيئَةً أو بالمُحَابَاةِ، أو عَجَّلَ دَيْناً مُؤجَّلاً له عن النُّجُومِ، فطريقان:

أظهرهما: أته على القَوْلَيْنِ فيما إذا وَهَبَ من غيره بِإِذْنِهِ.

والثاني: -واختاره الشيخ أبو مُحَمَّدٍ- القَطْعُ بالصِّحَّةِ؛ لأن لِلْمُكَاتَب أن يُعَجِّزَ نَفْسَهُ، فيجعل جميع ما في يَدِهِ للسيد، وإذا تَمَكَّنَ من جعل الجميع لِلسَّيِّدِ بالتعجيز، لم


(١) في أ: لنقول.

<<  <  ج: ص:  >  >>