ترك من الأولى والثانية لزمه إعادة الصَّلاتين جميعاً، لاحتمال أنه تركها من الأولى، ولا يجوز له الجمع لاحتمال أنه تركها من الثانية، فيعيد كل واحدة في وقتها أخذًا بالأسوأ من الطرفين، وحكي في "البيان" عن الأصحاب أنه يجيء فيه قول آخر أن له الجمع كما لو أقيمت الجمعتان في بلدة ولم يعرف السابقة منهما يجوز إعادة الجمعة في كل قول، هذا كله فيما إذا جمع بتقديم الثَّانية، أما إذا جمع بتأخير الأولى، فهل يجب الترتيب أم يجوز فعل الأخيرة قبل الأولى؟ فيه وجهان:
أحدهما: يجب كما لو جمع بالتقديم.
وأصحهما -ولم يذكر كثيرون سواه- أنه لا يجب، ويجوز تقديم الثَّانية؛ لأن الوقت لها والأولى تبع، ولأنه لو أخر الظهر من غير عذر حتى دخل وقت العصر، كان له تقديم العصر، فإذا أخر بعذر كان أولى، وكذا في اشتراط الموالاة بينهما، وجهان:
أصحهما: أَنَّهَا لا تشترط لشبه الأولى بخروج وقتها بالفائتة، وإن لم تكن فائتة، ولهذا قلنا: لا يؤذن لها كالفائتة وإن لم تكن فائتة، فإن قلنا باشتراط الترتيب، فلو قدم الصَّلاة الثانية صَحَّت لأنها في وقتها، لكن تفسير الأولى قضاء، وكذلك لو ترك الموالاة وشرطناها تفسير الأولى قضاء، حتى لا يجوز قصرها إن لم يجوز قصر القضاء، وأما نِيَّة الجمع عند التأخير فقد قال في "النهاية": إن شرطنا الموالاة فنوجب نية الجمع كما في الجمع بالتقديم، وإلا فلا نوجب نية الجمع، ويحكى هذا البناء عن القاضي الحسين -رحمه الله-، وهذا الخلاف في أنه هل ينوي الجمع عند الشروع في الصَّلاة، وأما في وقت الأولى فقد قال الأئمة: يجب أن يكون التأخير بنية الجمع، ولو أخر من غير نية الجمع حتى خرج الوقت عصى وصارت قضاء، وامتنع قصرها إن لم تجوز قصر القضاء، وكذا لو أخر حتى ضاق الوقت، فلم يبق إلا قدر لو شرع في الصَّلاة فيه لما كان أداء وقد سبق بيان ذلك.
قال الرافعي: لو أراد الجمع بين الصلاتين بالتقديم فصار مقيماً في أثناء الأولى إما بنية الإقامة أو بانتهاء السفينة إلى دار الإقامة فيبطل الجمع، وكذا لو فرض ذلك بعد الفراغ منها وقبل الشروع في الثانية لزوال العذر قبل حصول سورة الجمع، ومعنى بطلان الجمع هاهنا أنه يتعين تأخير الثانية إلى وقتها، أما الأولى فلا تتأثر بذلك، ولو صار مقيماً في أثناء الثانية فوجهان: