للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أحدهما- وبه قال ابْنُ أَبِي هُرَيرَة-: لا يدرك لنقصانها بالتلفيق، ومن شرط الجمعة وإدراكها استجماع صِفَة الكَمَال.

وأصحهما -وبه قال أبو إسحاق-: تدرك لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَة مِنَ الْجُمعَةِ فَلْيُضِفْ إِلَيْهَا أُخْرَى" (١).

والتلفيق ليس بنقص في حق المعذور، وإن كان نقصاً فهو غير مانع، ألا ترى أنا إذا أحتسبنا بالركوع الثاني حكمنا بإدراك الجمعة بلا خلاف مع حصول التلفيق بين هذا الركوع وذلك التحرم.

الحالة الثانية: أن يخالف ما أمرنا فلا يركع معه، ويسجد جرياً على ترتيب صلاته فإما أن يفعل ذلك عالماً بأن واجبه المتابعة، أو يفعله ناسياً، أو معتقداً أن الواجب عليه رعاية ترتيبه، فإن فعله عالماً ولم ينوِ مفارقة الإمام بطلت صلاته، وعليه التحرم بالجمعة إن أمكنه إدراك الإمام في الركوع، وإن نوى مفارقته فقد أخرج نفسه عن صلاة الإمام بغير عذر، وفي بطلان الصَّلاة به قولان سَبَقَا، فإن لم تَبْطُل لم تصح جمعته، وفي صِحَّة الظهر خلاف مبني على أن الجمعة إذا تعذر إتمامها هل يجوز إتمامها ظهراً؟ وعلى أن الظهر هل تصح قبل فوات الجمعة؟ وسيأتي ذلك.

وقوله: "تبطل صلاته إلا إذا كان جاهلاً" ينبغي أن يُعْلَمَ فيه أن الاستثناء لا ينحصر في الجاهل، بل الناسي في معناه، وقوله: (بطلت صلاتُه) إن أراد ما إذا لم ينو المفارقة واستدام نيته الأولى فذاك، وإن أراد إطلاق الحكم نوى المفارقة أم لا؟ فيحتاج إلى الإعلام بالواو، وأما إذا فعله جاهلاً أو ناسياً، فما أتى به من السجود لا يعتد به، ولا تبطل الصَّلاة، ثم إذا فرغ والإمام راكِعٌ بعد بأن خفف سجوده، وطوَّل الإمام فعليه متابعته، فإن تابعه وركع معه فالتفريع كما سبق لو لم يسجد، وإن لم يركع معه أو كان الإمام قد فرغ من الركوع، فينظر: إن راعى ترتيب صلاة نفسه، بأن قام بعد السجدتين وقرأ وركع وسجد، فقد قال حُجَّةُ الإسلام -قدَّس الله روحه- هاهنا وفي "الوسيط": تتم له ركعتان بهما لكن فيها نقصانان:

أحدهما: نقصان التلفيق، فإن ركوعها من الأولى وسجودها من الثانية، وفيها الخلاف المذكور.

والثاني: نقصان القدوة الحكمية، وبين في "النهاية" معناه فقال: إن المزحوم لم يسجد على متابعة الإمام والاقتداء به حقيقة وحِسًّا، وإنما سجد متخلفاً عنه، إلا أنه


(١) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>