للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يعتد بما يأتي به في حال الحدث، وفي بناء غيره عليه الخلاف الذي سبق، ولو تطهر وعاد وجب الاستئناف إن طال الفصل وشرطنا الموالاة، وإن لم يطل الفصل ولم نشترط الموالاة فوجهان:

أظهرهما: الاستئناف أيضاً؛ لأنها عبادة واحدة، فلا تؤدي بطهارتين كالصَّلاَة.

قال الغزالي: وَيَجِبُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِحَيْثُ يَسْمَعُ أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ الكَمَالِ، وَهَلْ يَحْرُمُ الكَلاَمُ عَلَى مَنْ عَدَا الأَرْبَعِينَ؟ فِيهِ قَوْلاَنِ، الجَدِيدُ أَنَّهُ لاَ يَحْرُمُ كَمَا لاَ يَحْرُمُ الكَلاَمُ عَلَى الخَطِيبِ، وَقِيلَ بِطَرْدِ القَوْلَيْنِ فِي الخَطِيبِ فَإِنْ قُلْنَا: يَجِبُ الإِنْصَات فَلاَ يُسَلِّمُ الدَّاخِلُ، فَإِنْ سَلَّمَ لَمْ يُجَبْ، وَفِي تَشْمِيتِ العَاطِسِ وَجْهَانِ، وَفِي وُجوبهِ عَلَى مَنْ لاَ يَسْمَعُ الخُطْبَةَ وَجْهَانِ، وَتَحِيَّة المَسْجِدِ مُسْتَحَبةُ فِي أَثْنَاءِ الخُطْبَةِ (ح م)، وَإِنْ قُلْنَا: لاَ يَجِبُ الإنْصَات فَفِي تَشْمِيتِ العَاطِسِ وَفِي رَدِّ السَّلاَمِ وَجْهَانِ.

قال الرافعي: الشريطة السادسة للخطبة رفع الصوت، فإن الوَعْظَ الذي هو مقصود الخطبة لا يحصل إلا بالإبلاغ والإسماع (١)، وذلك لا يحصل إلا برفع الصوت، فلو خطب سرًّا بحيث لم يسمع غيره لم يحسب كالآذان، وحكى صاحب "البيان" عن أبي حنيفة أنها تُجْزِئ، وقد حكاه القاضي الروياني وغيره وجهاً.

لنا ثم الضبط على ظاهر المذهب أن يسمع أربعين من أهل الكمال على ما سبق وصفهم، ولو رفع الصوت قدر ما يبلغ لكن كانوا أو بعضهم صُمًّا ففيه وجهان:

أصحهما: أنها تجزئ كما لو بعدوا عنه، وكما أنه يشترط سماع شهود النكاح.

والثاني: يجزئ كما لو حلف لا يكلم فلاناً فكلمه بحيث يسمع لكنه لم يسمع لصممه يحنث، وكما لو سمعوا الخطبة ولم يفهموا معناها لا يضر، وينبغي للقوم أن يقبلوا بوجوههم إلى الإمام وينصتوا ويسمعوا قال الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} (٢) ذكر في التفسير أن الآية وردت في الخطبة سميت قرآناً لاشتمالها عليه، والإنصات: هو السكوت، والاستماع شغل السمع بالسماع، وهل الإنصات فرض والكلام حرام أم لا؟ قال في القديم "والأم": الإنصات فَرْضٌ والكلامُ حرامٌ وبه قال أبو حنيفة ومالك، وهو أظهر الروايتين عن أحمد، ووجهه ظاهر الأمر في

الآية، فإنه للإيجاب وما روى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ أنْصِتْ وَالْإِمَام (٩) يَخْطُبُ

يَومُ الْجُمُعَةِ فَقَدْ لَغَوْتَ" (٣) واللّغو الإثم قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ


(١) في "ب": والسماع.
(٢) سورة الأعراف، الآية ٢٠٤.
(٣) أخرجه البخاري (٣٩٤) ومسلم (٨٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>