للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مُعْرِضُونَ} (١) وقال في الجديد: الإنصات سنة والكلام ليس بحرام لما روى: "أَنَّ رَجُلاً دَخَل وَاِلنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَخْطُبُ يَومَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ مَتَى السَّاعَةُ فَأوْمَأ النَّاسُ إِلَيْهِ بِالسُّكُوتِ، فَلَمْ يَقْبَلْ وَأَعَادَ الكَلاَمَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بَعْدَ الثَّالِثَةَ: مَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا. فَقَال: حُبَّ اللهِ وَرَسُولَهُ، فَقَال إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ" (٢).

والاستدلال أنه لم ينكر عليه ولم يبين له وجوب السكوت، وذكر أصحابنا العراقيون أن أبا إسحاق حكى في الشرح عن بعض أصحابنا طريقة أخرى جازمة بالوجوب وأنه أَوَّلَ كلامه في الجديد، والذي عليه الجمهور طريقة القولين، وهل يحرم الكلام على الخطيب؟ فيه طريقان:

أصحهما: القطع بأنه لا يحرم، وإنما حرم على المستمع في قول كيلا يمنعه عن الاستماع، "وَأَيْضاً فَقَدْ كَلَّمَ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَتَلَهُ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَسَأَلَهُمْ عَنْ كَيْفِيَّةِ قَتْلِهِ فِي الْخُطْبَةِ" (٣)، وَكَلَّمَ أَيْضاً سُلَيْكاً الْغَطَفَانِي (٤) فِي الْخُطْبَةِ، كما سيأتي، وعلى هذه الطريقة شبه في الكتاب المستمع بالخطيب، فقال: الجديد أنه لا يحرم على الخطيب، وقد ذكر المزني هذا الاستدلال لترجيح الجديد.

والطريقة الثانية: طرد القولين في الخطيب، وهي تخرج على أن الخطبتين بمثابة الركعتين أم لا؟ إن قلنا: نعم حرم الكلام عليه، وبه قال مالك وأبو حنيفة.

ثم تكلم في محل القولين وتفريعهما.

أما المحل ففيه كلامان:

أحدهما: أن الخلاف في الكلام الذي لا يتعلق به غرض مهم ناجز فأما إذا رأى أعمًى يقع في بِئْرٍ أَوْ عَقْرَبًا تَدُبُّ على إنسان فأنذره، أو علَّم إنساناً شيئاً من الخير أو نهاه عن منكر فهذا لا يحرم قولاً واحداً، وإن كان لفظ الكتاب مطلقاً، كذلك ذكره الأصحاب على طبقاتهم، وحكوه عن نَصِّ الشافعي -رضي الله عنه- نعم المستحب أن يقتصر على الإشارة ولا يتكلم ما وجد إليه سبيلاً.

والثاني: أنه يجوز الكلام قبل أن يبتدئ الإمام في الخطبة وكذلك بعد الفراغ منها إلى أن ينزل، أو يتحرم بالصلاة، وليس ذلك موضع الخلاف، لأنه ليس وقت


(١) سورة المؤمنون، الآية ٣.
(٢) أخرجه النسائي من رواية أنس -رضي الله عنه- وإسناده صحيح، انظر التلخيص (٢/ ٦٠).
(٣) أخرجه البيهقي (٣/ ٢٢١ - ٢٢٢) من رواية عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب مرسلاً، وقال: هو مرسل جيد.
(٤) البخاري (٩٣١) ومسلم (٨٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>