الاستماع، وأما حالة الجلوس بين الخطبتين فمنهم من أخرجها من حَيِّز الخلاف أيضاً، وهو ما أورده صاحب "المهذب"، وحجة الإسلام في "الوسيط"، وأجرى المحاملي وابن الصباغ وآخرون الخلاف فيه، ويجوز للداخل في أثناء الخطبة أن يتكلم ما لم يأخذ لنفسه مكاناً، والقولان بعد ما قعد حكاه الإمام وغيره.
وأما تفريع القولين، فإن قلنا: بالقديم فالداخل في أثناء الخطبة ينبغي أن لا يسلم، فإن سلم لم تجز إجابته باللسان، ويستحب أن يجاب بالإشارة كما في الصَّلاة، وهل يجوز تشميت العاطس؟ فيه وجهان:
أصحهما -وهو المنصوص-: لا؛ كَرَدِّ السلام.
والثاني: يجوز؛ لأن العاطس لا يتعلق بالاختيار، والتشميت من حقوق المُسْلِمِ على المُسْلِم، فَيُوَفَّى، بخلاف رَدِّ السَّلام، فإن المسلم والحالة هذه مُضَيِّعٌ سَلاَمه، وعلى هذا فهَل يستحب؟ حكى إمام الحرمين فيه وجهين، ووجه المنع بأن الإنصات أهم فإنه واجب على هذا القول، والتشميت لا يجب قط، وحكى في "البيان" عن بعض الأصحاب أنه يرد السلام، ولا يشمت العاطس؛ لأن تشميت العاطس سنة ورد السَّلام واجب، والواجب لا يترك بالسّنة، وقد يترك بواجِبٍ آخر، وهل يجب الإنصات على من لا يسمع الخطبة؟ فيه وجهان شبيهان بالوجهين، في أن المأموم الذي لا يسمع قراءة الإمام هل يقرأ السورة أم لا؟.
أحدهما: أنه لا يجب؛ لأن الإنصات للاستماع، فعلى هذا له أن يشتغل بذكر وتلاوة.
والثاني: يجب كيلا يرتفع اللغط ولا يتداعى إلى منع السامعين من السماع، وهذا أظهر، ولم يذكر كثيرون سواه، وحكوه عن نَصِّ الشافعي -رضي الله عنه- وقالوا: البعيد بالخيار بين الإنصات وبين الذكر والتلاوة، وأما في كلام الأدميين فهو والقريب سواء، وإن فرعنا على الجديد فقد قال في الكتاب؛ يشمت العاطس، وفي رد السَّلاَم وجهان، ولا بُدَّ من البحث عنه أهو كلام في الاستحباب أم في الوجوب؟ أما جوازهما فلا شَكَّ فيه على هذا القول، أما غيره فقد جعل صاحب "التهذيب" الوجهين في وجب الرد.
أصحهما: وجوبه كما في سائر الأحوال.
والثاني: لا يجب؛ لأنه مُقَصِّرٌ مُضَيَّعٌ للسلام، كمن سلم على من يقضي حاجته، قال: وفي استحباب التشميت الوجهان، وذكر المضنف في "الوسيط" أن التشميت يجب، وفي الرَّد وجهان، والظاهر أنه أراد نصب الوجهين في الاستحباب على ما صرح