للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

به إمام الحرمين، فقال: لا يجب الرد لتقصير المسلم ووضعه الكلام في غير موضعه، والوجهان في استحباب الرد.

واعلم: أن القول بوجوب التشميت خلاف ما أطبق عليه الأئمة، فإنهم قالوا: التشميت محبوب غير واجب بحال، فلا ينبغي أن يحمل قوله: (ويشمت العاطس) عليه بل الوجه تأويل ما في "الوسيط" أيضاً، ولا يحسن حمله على الجواز أيضاً؛ لأنه عطف عليه قوله: (وفي رد السلام وجهان) فإذا كان المراد من الأول الجواز، كان قضية الإيراد فرض الخلاف في الجواز، ولا يمكن تصوير الخلاف فيه على هذا القول، فإذا قوله: (يشمت العاطس) معناه أنه يستحب ذلك، وليكن معلماً بالواو لما حكاه صاحب "التهذيب".

واعلم: أنه لو تكلم لم تبطل جمعته على القولين جميعاً، والخلاف في الإثم وعدمه؛ وأما قوله: (وتحية المسجد مستحبة) فشرحه: أن الخطيب إذا صعد المنبر، فينبغي لمن ليس في الصَّلاة من الحاضرين أن لا يفتتحها سواء صلى السُّنَّة أم لا، ومن كان منهم في الصَّلاة خففها، وروي عن الزّهري أنه قال: "خُرُوجُ الْإِمَامِ يَقْطَعُ الصَّلاَةُ، وَكَلاَمُهُ يَقْطَعُ الْكَلاَمُ" (١) والفرق بين الكلام الذي لا بأس به، وإن صعد المنبر، ما لم يبتدئ الخطبة وبين الصَّلاة أن قطع الكلام هين متى ابتداء الخطيب الخطبة بخلاف الصلاة، فإنه قد يفوته سماع أول الخطبة إلى أن يتمها، وأما الدَّاخل في أثناء الخطبة، فيستحب له التَّحِيَّة خلافاً لمالك وأبي حنيفة، حيث قالا: يكره له الصَّلاة كما للحاضرين.

لنا: ما روي: "أَنَّهُ جَاءَ سُلَيْكُ الْغَطَفَانِي يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَخْطُبُ فَجَلَسَ فَقَالَ: لَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- قُمْ يَا سُلَيْكُ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وتَجَوَّزْ فِيهِمَا"، ثُمَّ قَالَ: "إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ [يَوْمُ الجُمُعَةِ] (٢) وَالإمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا" (٣)، ولو أن الداخل لم يُصَلِّ السنة بعد صلاها، وحصلت التحية بها أيضاً وإن دخل الإمام في آخر الخطبة لم يُصَلِّ، حتى لا يفوته أول الجمعة مع الإمام، وحكم التَّحِيَّةِ لا يختلف بقولي الإنصات، وذِكْرُه في الكتاب متَّصِلاً بتفريع القديم ليس لاختصاص الاستحباب به، بل استحباب التحية على قولنا باستحباب الإنصات أظهر منه على قولنا يوجب الإنصات، وقوله في أول الفصل (ويجب رفع الصوت بحيث يسمع أربعين من أهل الكمال) يجوز إعلامه بالحاء والميم؛ لما تقدم نقله، وقوله: (وهل يحرم الكلام على من عدا الأربعين)


(١) أخرجه مالك والشافعي عنه بإسناد صحيح، انظر التلخيص (٢/ ٧٣).
(٢) سقط من "ط".
(٣) تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>