وأصحهما -وهو المذكور في الكتاب-: أنه يجوز؛ لأن الذَّبَّ بالقتال عن المال جائز، كالذَّبِّ عن النَّفْس، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ"(١).
الثَّانِية: لو وَلُّوا ظهورهم عن الكفار منهزمين، نظر إن كان يحل لهم ذلك، بأن يكون في مقاتلة كل مسلم أكثر من كَافِرَيْنِ، فلهم أن يصلُّوا صَلاَة شدة الخوف؛ لتعرضهم للهلاك لو أتوا بالصلاة على الكمال، وإن لم يحل كما إذا كان في مقابلة كل مسلم كافران فليس لهم ذلك؛ لأنهم عاصون بالانهزام، والرخص لا تناط بالمعاصي، فإن كان فيهم متحرف لقتال أو متحيز إلى فئة فله الترخص لجواز الانهزام، ولو انهزم الكفار واتبع المسلمون أقعيتهم، ولو أكملوا الصلاة وثبتوا لفاتهم العدو، فليس لهم صلاة شدة الخوف؛ لأنهم لا يخافون محذوراً بل غاية الأمر فوات مطلوب، والرخص لا يتعدى بها مواضعها، فلو خافوا كميناً أو كرة، كان لهم أن يصلُّوها.
الثالثة: الرخصة في الباب لا تتعلق بخصوص القتال، بل تتعلق بعموم الخوف، فلو هرب من حَرِيقٍ يغشاه، أو من سيل منحدرٍ إلى موضعه ولم يجد في عرض الوادي ما يقدر على اللّبث فيه والصعود، فغدا في طوله، أو هرب من سبع قصده فله أن يصليها؛ لأنه خائف من الهلاك، والمديون المعسر إذا عجز عن بينة الإعسار ولم يصدقه المستحق، ولو ظفر به لحبسه، كان له أن يصليها هارباً دفعاً لضرر الحبس، ويجوز أن يعلم قوله:(والمطالب بالدين) بالواو؛ لأن الحَنَّاطِي حكى عن الإمام أنه لو طلب رجل لا ليقتل لكن ليحبس أو يؤخذ منه شيء لا يصلي صلاة الخوف، وغاية المحذور هاهنا هو الحبس، ولو كان عليه قصاص يرجو العفو عنه إذا سكن الغليل وانطفأ الغضب فقد جوز الأصحاب أن له أن يهرب، وقالوا: له أن يصلي صلاة شدة الخوف في هربه، واستبعد الإمام جواز الهرب من المستحق بهذا التوقع.
الرابعة: المحرم إذا ضاق وقت وقوفه بعرفة وخاف فوت الحج لو صلى متمكناً ما الذي يفعل؟ حكى الشيخ أبو محمد عن القفال فيه وجوهاً:
أحدها: أنه لا يؤخر الصلاة، فإن قَضَاءَها هين، وأمر الحَجِّ خطير، وقضاؤه عسير.
والثاني: أنه يقيمها، كما تقدَّم في شدة الخوف، ويحتمل فيها العذر؛ لأن الحج في حتى المحرم كالشيء الحاصل، والفوات طارئ عليه، فأشبه ما لو خاف هلاك مال حاصل لو لم يهرب، ولأن الضرر الذي يلحقه بفوات الحج لا ينقص عن ضرر الحبس أياماً في حق المديون.